تقرير جديد، من إسبانيا هذه المرة، معقل الدعم والمساندة لانفصاليي البوليساريو، يؤكد ما درج المغرب على تأكيده دائما، من أن ما يتم جمعه من مساعدات إنسانية وأموال ينتهي به المطاف في جيوب بضعة جنرالات في المخابرات والأمن الجزائري، وسماسرتهم داخل مخيمات تيندوف.
“اتحاد الأيدي النظيفة” المؤسس عام 1995، والذي يشكل أكبر تجمع لموظفي الخدمة العامة في اسبانيا، قرر السير بالقضية إلى أبعد مدى، مستندا إلى تقارير موثقة لأعلى هيئة أوروبية لمكافحة النصب والاحتيال (OLAF)، التي تحدثت في تقرير موسع بناء على بحث ومراجعة طويلين لمسار المساعدات الإنسانية التي يتم جمعها باسم محتجزي تيندوف، لتؤكد أن أزيد من 20 مليون أورو قد انتهت إلى جيوب أشخاص بعينهم، خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2007 فقط (دون الحديث عما قبل وبعد هذه السنوات)، بواسطة نهج منظم يعمد إلى “السطو” على المساعدات الإنسانية بطرق مختلفة، من قبيل تسريبها في الطريق من وهران، أو مصادرة أجزاء منها في ميناء وهران، أو استبدالها بمواد رديئة خلال رحلتها الطويلة التي تستغرق أكثر من شهر ونصف ما بين الميناء الجزائري والمخيمات، علما بأن هذه الرحلة لا يجب أن تستغرق بأي حال أكثر من خمسة أيام، والاستفادة تبعا لذلك من فرق السعر.
ما يهم اتحاد “الأيدي النظيفة” أن هناك متورطين إسبان في هذه الجرائم، من بين جامعي هذه التبرعات والمساعدات. أما المكتب الأوروبي لمكافحة النصب والاحتيال، فمهمته منذ تأسيسه نهاية التسعينيات من القرن الماضي هي مراقبة الأموال العمومية الأوروبية وكذا الأنشطة التي تقع على الأرض الأوروبية، لوقف الهدر والفساد في إدارتها، وتوفير مئات الملايين من اليوروات في الموازنات العمومية الأوروبية. لكن ماذا عنا في المغرب والجزائر وسائر منطقة شمال وغرب أفريقيا؟
إن استمرار تجاهل الأنشطة الإجرامية لمرتزقة البوليساريو، إما بسبب نفوذ حماتهم من الجنرالات أو بسبب حالة التنافس السياسي بين البلدين الجارين، هو بكل المقاييس سلوك مدمر، تنبه له الأوروبيون عندما اكتووا بنار عدم الاستقرار في حدودهم الجنوبية والشرقية، وأصبحت جمعياتهم تحذر من خطورة السماح لهذه العصابات باستباحة جيوب المواطنين الاوروبيين، لتنتهي أموالهم، وحسب هيئتهم الاوروبية العليا المختصة OLAF دائما، في جيوب شبكات تهريب البشر والسلاح والمخدرات، في منطقة الساحل الأفريقي.
كما أن استمرار غض البصر عن النشاطات الإجرامية لعصابات البوليساريو، والتي تثبت التقارير الدولية واحدا تلو الآخر، ارتباطها الوثيق بشبكات تهريب السلاح والبشر والمخدرات، وكذا بالجماعات الإرهابية التي ترفع زورا وبهتانا راية الإسلام، والتي تنشط في منطقة الساحل والصحراء، وتزعزع استقرار العديد من الدول على امتداد هذه الجغرافيا، نقول أن هذا السلوك، ومع التهديد المباشر للجماعات الإرهابية للجزائر نفسها من الجنوب (مالي) والشرق (ليبيا) وامتداداتها عبر الصحراء الكبرى، كفيل بتنبيه كل ذي بصر أو بصيرة بضرورة إيثار منطق المصلحة الذاتية لعموم الجزائريين، ناهيك عن روابط الدم والقربى بين البلدين الجارين، وأن تضرب بيد من حديد رؤوس هذه العصابة ومن استمر طيلة عقود في حمايتهم وتقاسم الغنائم معهم، لاسيما والجزائر قد ودعت حقبة “الفريق توفيق”، وآن أوان التخلص من تبعاتها.
إن أقل سلوك مقبول من السلطات في الجزائر، هو فتح الأبواب لوكالات الأمم المتحدة لإجراء فحص عددي دقيق لمحتجزي تيندوف، يسمح على إثره لمن شاء منهم بالالتحاق بوطنه وأهله، وأن تبدأ محادثات مباشرة مع نظيرتها المغربية حول السبل الأمثل لصياغة إطار عمل وحدوي مشترك يضمن مصالح الشعبين الشقيقين، تتكامل فيه مقدراتهما، وتتكاتف فيه جهودهما في هذه الأيام العصيبة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، لاسيما والبلدان يشهدان الانهيارات المتوالية لدول وأنظمة حولهما، بشكل ينذر بوصول نيرانه إليهما.
إن استمرار العناد والمكابرة لدى المتنفذين في النظام الجزائري، واستخدام لغة الخشب والحرب الباردة، وكأننا لا زلنا نعيش قبل أربعين عاما، وكذا المضي قدما في إنكار الواقع وتجاهل ما يجري داخل الأرض الجزائرية وعلى حدودها الشرقية والجنوبية، كلها مكونات وصفة خراب مثالية، لا يوجد مخلص مغربي إلا ويدعو أن يجنب الله الجزائر وأهلها أهوالها، وأن تؤدي التغييرات المستمرة منذ الصيف الماضي في البلد الشقيق، إلى ما فيه صلاح البلدين وشعبيهما أشقاء الدم وشركاء المستقبل.