كانت سعادتي كبيرة حين تلقيت بحبور رواية” على باب الهوى” للصديق الروائي الأردني صبحي فحماوي، الذي تجمعني به صداقة طويلة عريضة عبر الأنتريت والفايس بوك تحديدا، ومن خلال موقعه الجاد عن الرواية، وقد تسلمت الرواية من صديقي الكاتب المغربي العربي بنجلون ذات صباح بيضاوي جميل في مركز مدينة الدار البيضاء على إثر عودة ميمونة لهذا الكاتب من جولة حط فيها الرحال بدول عدة ومن بينها الأردن، التي قدم في ناديها للكبار مداخلة طويلة عميقة وشاملة عن الأدب المغربي الحديث، رصد فيها تحولاته العميقة ولحظاته القوية خلال القرن العشرين، وقد تناقلتها كثير من وسائل الإعلام في المغرب والمشرق.
حين توصلت بالرواية الصادرة عن دار الفارابي ببيروت- لبنان، في طبعته الأولى عام 2014، قمت بجولة سريعة في صفحاتها، كتحية مستحقة، في انتظار أن أعود لها بشكل متأن قصد التلصص على العوالم التخييلية لهذا الروائي، الذي أحبه وأتابع نشاطه بكثير من الاهتمام، وهذا ما تحقق بعد حين، ولعل أهم ملاحظة تفرض نفسها على القارئ وهو يلج عتبات هذا النص الروائي الطابع الساخر للكتابة الروائية عند صبحي فحماوي، الذي حدثني عنه بإسهاب الصديق المبدع العربي بنجلون، ومن بين الأمور التي ركز عليها في حديثة كون السخرية أسلوب حياة لدى صبحي، إذ أنه لا يترك موقفا يمر دون أن يعلق عليها بتعاليقه الساخرة خفيفة الظل.
الرواية عبارة عن تصوير دقيق لجولات يقوم بها السارد في بلدان عدة مركزا فيها على المطارات بشكل خاص، والفضاءات العامة، لأنها تعتبر الوجه الذي يستقبل الزائر عند دخوله إلى أي بلد، وقد يتحدد الموقف من الشخص الزائر والبلد القادم منه من خلال التعامل الذي يحظى به هذا الزائر في مطار الدولة المضيفة، ومن خلال ذلك يمكننا أن نتفرع لتديد الموقف السياسي من البلد، فالعربي للأسف يحمل همومه معه أينما حل وارتحل ، سحنته دالة عليه، وصفة الإرهاب تطارده أينما حط الرحال، وهذا بالضبط ما برع صبحي فحماوي في إبرازه للقارئ، بأسلوب سلس، وعبارات لا تكاد تشعر بها حتى تسرب لك المعنى العميق إلى دواخلك.
لقد ركز صبحي على السخرية وهو ينقل لنا مغامرات السارد، لكنها تلك السخرية السوداء التي تجعل المرء يبتسم والمرارة تعتصر قلبه، إنه ضحك كالبكاء كما قال الشاعر، يحدث ذلك وأنت تترصد ذلك العربيين اللذين يتم تفتيشهما بشكل دراماتيكي في مطار ميونيخ، فهما متهمان حتى تثبت براءتهما، وفي جولته في المدينة التي يستحضر من خلالها بشكل مستمر الوطن وناسه وأحزانه، أقصد الأحزان القومية وخاصة في فلسطين المنكوبة، وخاصة في مقارنته لما حدث لليهود في السجون النازية بما يمارسونه ضد الفلسطينيين في سجونهم الصغيرة والكبيرة، إذ أنهم أفلحوا في أن يجعلوا من فلسطين سجنا كبيرا بجدارهم المادي والمعنوي، وحصارهم الهمجي الذي جعل مناطق فلسطين جزرا معزولة بعضها عن بعض.
أما عن بحيرة البجع فحدث ولا حرج، هنا لمسة من نوع آخر تؤثثها نساء ذوات قدود مائسة جميلة، بألوان مختلفة تترجم التعايش الذي تحظى به شعوب العالم في هذه المدينة، لكن هذا الأمر لن يدوم طويلا،إذ سرعان ما ينقلب الوضع رأسا على عقب يقول السارد” جو رومانسي ساحر لا تشوبه في عيني سوى صدمتي بمشاهدة ثلاث مداخن عملاق عجيبة الاتساع في قمة الجبل البعيد عن البحيرة، يتصاعد منها بخار أبيض، فأعرف أنها مداخن مفاعل نووي يتوارى في تلك المنطقة..” هذا التحول المفاجئ الرؤية يرد صاحبنا صبحي ردا مكرها إلى دهاليز السياسة من جديد ، فيسرد لنا حينذاك هموم العرب مع السلاح النووي، الذي يحرمهم العالم الغربي من امتلاكه، ويساعد بالمقابل إسرائيل كي تصول وتجول في هذا الميدان وغيره من الميادين.
وتمضي الرواية على هذا النمط مستثمرة جنس “اليوميات” لتجعل منها متنا روائيا باذخا يستحق كثيرا من الاهتمام، فأقل ما يفوز به القارئ في هذه الرواية ما يميز عموما أدب الرحلة من معلومات قيمة عن بلدان لم يزرها أبدا، وحتى إن زارها فإن رؤيا الكاتب ورؤيته النوعيتين تجعلان من ” على باب الهوى” نصا روائيا يستح الاهتمام والاحتفاء.