الأحلام أصبحت حقيقة، مع التطور التكنولوجي الهائل، وبعد محاولات متتالية من العلماء على مدار عقود لإقامة صلة بين الإنسان وأعماق البحار، نجح البعض أخيرًا في إجراء محادثة هي الأولى من نوعها مع كائن «الحوت الأحدب»، استمرت لمدة 20 دقيقة.
وبحسب دراسة حديثة نُشرت في مجلة «peerj»، فقد وصف العلماء هذه التجربة بأنّها تاريخية، بعد أن حدث تبادل غير عادي بين الباحثين وأنثى الحوت الأحدب، التي تدعى «توين»، في جنوب شرق ألاسكا، وتمكّن العلماء من تسجيل مكالمة اتصال تحت الماء، ما أدى إلى جذب الحوت إلى قاربهم، والدوران حوله، وكان يرد على المحادثة باستمرار بـ«إشارة الترحيب».
وبحسب مجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، توجد الحيتان الحدباء في كل محيطات العالم، وفي اللاتينية تعرف باسم Megaptera novaeangliae، ويشير هذا إلى زعانفها الصدرية العملاقة، التي يمكن أن يصل طولها إلى 16 قدمًا، لديها ظهور داكنة، وبطون فاتحة اللون، وطيات على حناجرها، وسنام صغير أمام زعانفها الظهرية، وهو السبب في إطلاق اسم «الحدباء» عليها.
وتشتهر الحيتان الحدباء بأغانيها السحرية، التي تسافر لمسافات كبيرة عبر محيطات العالم، إذ تعتبر هذه التسلسلات من الأنين والعواء والبكاء والضوضاء الأخرى معقدة للغاية، وغالبًا ما تستمر لساعات متواصلة، ودائمًا ما يدرس العلماء هذه الأصوات لفك معناها، ومن المرجح أن الحيتان الحدباء تُغني للتواصل مع الآخرين ولجذب الشركاء المحتملين.
واتضح أن الحيتان الحدباء لديها تطور ثقافي طويل المدى وعالي السرعة، ولا تحتاج إلى الإنترنت أو الأقمار الصناعية للحفاظ على استمراريتها، إذ وجد العلماء أنّ أغاني الحوت الأحدب تنتشر بسهولة من مجموعة سكانية إلى أخرى عبر المحيط الهادئ، وقد يستغرق الأمر بضع سنوات فقط حتى تنتقل الأغنية عدة آلاف من الأميال.
وتقضي كل مجموعة من الحيتان الحدباء فصل الشتاء في نفس مناطق التكاثر، يغني الذكور هناك أغاني عالية تحت الماء، يمكن أن تستمر لمدة تصل إلى نصف ساعة، ويغني الذكور في نفس أرض التكاثر لحنًا متطابقًا تقريبًا، ومن عام لآخر تتطور أغنية السكان تدريجيًا إلى لحن جديد.
وبحسب صحيفة «نيويورك بوست»، أحيانًا يغير ذكور الحيتان الحدباء نقطة ما في أغنيتهم، وفي بعض الأحيان يضيفون عبارة جديدة أو يحذفون موضوعًا، ويمكن للذكور الآخرين بعد ذلك نسخه، وتتسبب هذه الزخارف في تطور أغنية السكان تدريجيًا، مما يؤدي إلى ظهور ألحان مختلفة تمامًا من مجموعة سكانية إلى أخرى.
والذكور الحدباء، هي سلالة الحيتان الوحيدة التي تُغني الأغاني، في حين تمتلك إناث الحيتان الحدباء أصواتًا أقصر، لا ترتبط غالبًا بالنغمات الطويلة التي تُسمع تحت الماء، نظرًا لأنه يتم سماع الذكور في الغالب خلال موسم التكاثر.
ومن الممكن استخدام أغاني الحيتان كنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، ومساعدة الحيتان الحدباء في التعرّف على ترددات ومواقع أغاني الحيتان الأخرى، ومن خلال ارتداد أغانيها عن الترددات الأخرى، قد يتلقون معلومات جغرافية مهمة في المقابل، ومن المؤكد أن هذه التقنية تتجاوز حدود اللغة، وتوضح لنا مدى تقدم الحيتان بشكل طبيعي.
أما الأمهات من الحيتان الحدباء، فقد لاحظ الباحثون أنّهم يتواصلون بنغمات منخفضة وهادئة تعرف بـ«الهمسات»، ويرجع ذلك إلى أنّ الأم الحدباء تريد الحفاظ على صغارها دون أن يلاحظها الحيوانات المفترسة، وهذه التقنية الهادئة تسمح لصغار الحيتان الحدباء بالنمو بقوة دون تدخل، إذ تعتبر هذه الاتصالات الشبيهة بالتهويدة إحدى الطرق التي تحافظ بها على سلامة صغارها.
هذه المرة الأولى التي يتواصل خلالها العلماء مع الحيتان الحدباء باللغة الحدباء، إذ أطلق العلماء حوالي 36 مكالمة من مكبر الصوت بفاصل 20 دقيقة بين كل محاولة منها، واستجاب الحوت الأحدب لكل واحدة منها وطابق الاختلافات الفاصلة بين الإشارات.
وأكد العلماء أنّ هذا النوع من المطابقة الفاصلة يشير إلى أن الحوب الأحدب الذي يُطلق عليه «توين» كان منخرطًا في تبادل متعمد.