يضمّ القمر الجليدي لكوكب زحل «إنسيلادوس» محيطاً يتّضح أكثر فأكثر أنه «قابل لوجود أشكال الحياة»، وفق علماء فيزياء حيوية يؤكدون أنهم اكتشفوا فيه عناصر رئيسية جديدة تؤشر إلى إمكانية وجود أشكال الحياة هذه على القمر.
ويشكل القمر الصغير غير المرئي بالعين المجردة، كرة بيضاء يبلغ قطرها 250 كيلومتراً مع سطح يبدو كأنه مخطّط بندوب، ويدور حول زحل، سادس الكواكب بُعداً عن الشمس.
وأثبت مسبار «كاسيني» الذي حلّق بجوار القمر مرات عدة خلال مهمته إلى زحل بين عامي 2004 و2017، وجود محيط شاسع من المياه المالحة تحت طبقة سميكة من الجليد، واكتشف فوارات من بخار الماء تتدفق من شقوق يحويها هذا السطح الجليدي.
وخلال مروره عبر هذه الأعمدة، رصد المسبار وجوداً للملح وعناصر عضوية والميثان وثاني أكسيد الكربون. واستمر تحليل البيانات التي سجلها المسبار بعد مدة طويلة من نهاية المهمة، على غرار الإعلان خلال الصيف الفائت عن رصد الفوسفور، وهو عنصر أساسي آخر للحياة.
إلا أنّ العنصر الذي حدده فريق من جامعة هارفارد هذه المرة، كان إضافة إلى الأسيتيلين والبروبيلين والإيثان، سيانيد الهيدروجين.
وقال عالم الفيزياء الحيوية الأمريكي والمعدّ الرئيسي للدراسة جونا بيتر: «إنه عنصر أساسي في عملية تكوين جزيئات أكثر تعقيداً، مثل الأحماض الأمينية أو السكريات التي تُعدّ رئيسية لإمكانية ظهور الحياة».
وأكدت أثينا كوستينيس، وهي عالمة فيزياء فلكية وعالمة كواكب في مرصد «باريس-مودون بي إس إل» ولم تشارك في الدراسة، أنّ أهمية المعطى الجديد تكمن في هذا الجزيء، لأنّه يشكل «مكوّناً لكيمياء عضوية أكثر تعقيداً في حال التحدث عن شروط قابلية للحياة».
إلا أنّ احتمال أن يكون القمر «قابلاً للحياة» غير متعلق بالبشر لأنّ درجة حرارة سطحه تبلغ -200 درجة مئوية في المتوسط.
قد تكون درجة الحرارة أعلى بكثير في أعماق المحيط التي يتخيّل العلماء أنها تحوي فتحات للطاقة الحرارية الأرضية.
وقد تتيح هذه الأنواع من المداخن تسرّب الغازات المحترقة من باطن القمر، على غرار تلك التي رُصدت في «المدينة المفقودة»، وهي منطقة عميقة في المحيط الأطلسي تحوي فتحات توفّر الطاقة اللازمة للتفاعلات الكيميائية.
وشكّل اكتشاف الهيدروجين في أعمدة إنسيلادوس والذي أُعلن عام 2017، دليلاً على وجود نشاط حراري مائي.
وقال بيتر: «يُحتمل بصورة كبيرة أن تكون عيّنة المواد التي جمعها مسبار كاسيني متأتية من المحيط الموجود تحت سطح» إنسيلادوس.
ويعزز العنصر الجديد الذي اكتشفه فريق هارفارد الاهتمام بالقمر الصغير لكوكب زحل. وقالت كوستينيس إنه «يجمع تقريباً كل الظروف التي تمكّنه من أن يكون قابلاً للسكن: السائل، ومصادر الطاقة، والعناصر الغذائية -وهي العناصر الأساسية للكيمياء العضوية – إضافة إلى بيئة مستقرة»، ومثله أيضاً تيتان، وهو قمر آخر تابع لزحل، وقمرا المشتري، أوروبا وغانيميد.
ويتعيّن للتأكّد من هذه المعطيات الحصول على بيانات رصد إضافية. وستركز مهمة «جوس» الخاصة بالوكالة الفضاء الأوروبية والتي انطلقت في نيسان/إبريل الفائت، على غانيميد. وخلال السنة المقبلة، ستستهدف مهمة «ناسا» المُسماة «أوروبا كليبر» القمر أوروبا.
أما في ما يخص إنسيلادوس، فقال بيتر: «لمعرفة المزيد عن الفوارات الحارة والمحيط، يتعين علينا العودة إلى محيطه لكن مع أدوات أكثر دقّة، ومحاولة استخراج عيّنة.
وأشارت أثينا كوستينيس إلى أنّ هذه الخطوة تبرز في أهداف وكالة الفضاء الأوروبية، ضمن برنامجها «فوياج 2015»، مرحّبةً بكل هذه المهمات التي تُدخل النظام الشمسي في سباق استكشاف الحياة خارج الأرض.
ومن الضروري التحلّي بالصبر، إذ استغرقت الرحلة من كاسيني إلى زحل سبع سنوات.