“الإسرائيليون” في ضيافة “ربيع تونس”

أقرّ رئيس الحكومة التونسية مهدي جمعة، بأن السلطات الأمنية في بلاده سمحت للسيّاح الإسرائيليين بدخول البلاد. وقال: “لنكن واضحين ونترك مسألة التطبيع. باتفاق كل المهنيين، فإن نجاح الموسم السياحي يرتبط بنجاح موسم الحج إلى الغريبة (في جزيرة جربة حيث يوجد كنيس يهودي)”. وقال: “نعم، لقد أخذنا قراراً بالسماح للسيّاح الإسرائيليين بدخول تونس”.
لهذه الأنباء خلفيتان، أو أكثر، تستدعيان التوقف. أولاهما، أنّ القوة السياسية الأولى في تونس هي الإسلاميون، وتحديداً الإخوان المسلمين ممثلين بحركة “النهضة” بقيادة راشد الغنوشي؛ وأنّ ما يحدث هو بعد تغير الحكم، وبعد “الربيع التونسي”. والخلفية الثانية، هي الضغوط التي أدت إلى هذا القرار.
لقد كان تعيين مهدي جمعة مطلع هذا العام حلا لإشكالية سياسية في تونس. فهو رئيس وزراء غير مُسيّس، لم يعرف عنه انتماؤه السياسي. ولكن هذا لا يعفي من عينوه وقبلوا به، وأولهم الإسلاميون، من المسؤولية. فهل سيضعون حدا للمسألة.
بمجرد حدوث الثورة في تونس، وحتى قبل أن يصلوا إلى الحكم، سارع الإسلاميون هناك إلى واشنطن، والتقوا جهات صهيونية معروفة. ويوم نقل الإعلام تصريحات للغنوشي وهو في ضيافة معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، تُغضِب دول الخليج العربية، إذ تَوقَّع أن يصلها “الربيع العربي”، حاول الغنوشي ومساعدوه تدارك الأمر بنفيه، واتهم الغنوشي جهات صهيونية في مركز واشنطن بـ”تلفيق” التصريحات. وقال أيضا: “كان حريا بهؤلاء الصحفيين أن يتثبتوا فيما ينشرون، وألا ينقلوا عن جهات صهيونية ومعروفة بتحيزها”. وأهم ما تعكسه مثل هذه القصة أن الغنوشي وحزبه لم يقفا موقفا حديا من التواصل مع جهات قريبة من إسرائيل وصهيونية.
وفي حديث الغنوشي في مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك، في تلك الجولة، قال إنّ القضية الفلسطينية “تخص الفلسطينيين بالدرجة الأولى، وتخص الأناس الذين يمثلون الشعب الفلسطيني، سواء أكانوا السلطة الفلسطينية، أم أي طرف آخر يمثل الشعب الفلسطيني. وإذا وصل الشعب الفلسطيني إلى اتفاق مع الإسرائيليين، فإن هذه القضية لن تكون موضوعا رئيسا في البلدان المسلمة الأخرى”. هذا هو الموقف المعلن إسلاميا في تونس من الموضوع الإسرائيلي، وفيه تنازلات واضحة، تُشكّل سياقا لفهم قرار حكومة جمعة.
جاء التوجه التونسي الحالي بشأن السيّاح الإسرائيليين بعد احتجاج شركات هددت أو أعلنت مقاطعة السياحة إلى تونس، في ظل منع السيّاح الإسرائيليين. وفي الشهر الماضي، كانت السلطات التونسية قد منعت 14 سائحاً إسرائيليا من دخول البلاد، مبررة ذلك بأنّه لا يوجد لديهم تأشيرات دخول، فألغت شركة نرويجية تونس من برنامج رحلاتها، ودانت وزارة الخارجية الكندية القرار التونسي. وهناك ما يشير إلى أنّ السياح الإسرائيليين كان يسمح لهم بدخول تونس، قبل ذلك.
ما يحدث، إذن، هو ارتباك تونسي من قبل الإسلاميين والحكومة، في تحديد كيفية معالجة الشأن الإسرائيلي، مقابل ابتزاز جهات خارجية لتونس والتونسيين، واستغلال صعوبة الوضع الاقتصادي. وهذه الجهات بعضها مسيّس، وبعضها ربما لا يدرك بدوره ملابسات القضية الفلسطينية.  
من الضعف الشديد أن يتم التنازل أمام أول ضغط صهيوني بهذه الطريقة. ولا يستدعي الحرص على الموسم السياحي والمصالح الاقتصادية في بلد مثل تونس، تنازلات من هذا النوع. فالإسرائيليون يَمنَعون كل يوم عشرات من دخول فلسطين وتجاوز الحدود. وهؤلاء الممنوعون ليسوا فقط كل العرب تقريبا، بل الكثير جداً من كل جنسيات العالم، بما فيها الأميركية والأوروبية، بل وفي حالات يُمنع حتى يهود من الدخول، وكل ذلك في حالة وجود “شبهة” تعاطف مع الفلسطينيين أو ربما أحياناً حرصا على التعامل مع مؤسسات سياحية وأكاديمية فلسطينية دون الإسرائيلية.
بإمكان التونسيين الرد بهجوم مضاد على الانتهاكات الإسرائيلية بِحَق السُيّاح، وتوضيح الملابسات السياسية، ومخاطبة الشركات الأوروبية والغربية التي لا شك في أنّ السُيّاح الإسرائيليين لا يشكّلون من الناحية التجارية أهمية كبرى تبرر خسارتهم تجارياً من مقاطعة الدول العربية.
يمكن تحريك حملات التضامن الأوروبية مع الفلسطينيين لمخاطبة هذه الشركات، ويمكن القيام بنشاط إعلامي ودبلوماسي، وليس الحل بالتنازل سياسيا وأمنياً، لا عند لقاء مجلس العلاقات الخارجية، ولا أمام شركة سياحة.
“الغد” الاردني  

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *