ملف الصحراء بيد بان كي مون

بقلم: محمد الأشهب*

في حال رجحت الأنباء عن احتمال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى الشمال الأفريقي، للبحث في تفعيل إجراءات ومقتضيات الحل السياسي لنزاع الصحراء، سيكون بان كي مون اختزل المسافات المتباعدة، لجهة الإلمام ميدانياً بمعطيات التوتر القائم. أقربه أن سلفه كوفي أنان، حين زار المنطقة، زادت قناعته بتسريع الحل الذي كان مطروحاً وقتذاك، برسم خطة التسوية السلمية التي وضعها الأمين العام بيريز ديكويار. وغاب عنه أنها غير قابلة للتنفيذ والحياة.
لم يصمد من مرجعيات تلك الخطة، سوى استمرار سريان مفعول وقف النار الذي يواجه عند كل مأزق سياسي، تهديدات تطلقها جبهة «بوليساريو» بالعودة إلى حمل السلاح. فقد تجزأت إلى بدائل تحت أسماء الحل الثالث والرابع والخامس، لتستقرّ في نهاية المطاف عند صيغة «الحل السياسي» الوفاقي، الذي يرهن أي اختراق في الانتقال من مرحلة إلى أخرى بإحراز تقدّم ضمني على المسارات كافة، أي بناء الثقة ومعاودة استئناف المفاوضات والاتفاق على أرضية مشتركة تقبل بها جميع الأطراف، المغرب و «بوليساريو» كطرفين مباشرين، والجزائر وموريتانيا كمراقبين.
مهّد بان كي مون لمشروع الحلّ بمسألتين: تعاون الأطراف مع بعضهم مقدّمة لتعاون أشمل مع الأمم المتحدة، والوعي بالأخطار المحدقة بالمنطقة برمّتها، نتيجة استمرار التوتر واستشراء اليأس وتنامي العنف والتطرف. وفي غضون ذلك، جدّد مجلس الأمن الدولي الثقة في مساعي الموفد الدولي كريستوفر روس، الذي جرّب المحاولات كافة لجذب الأطراف إلى إحياء عملية المفاوضات العالقة. فعل ذلك عبر اقتراح سلسلة محادثات غير رسمية، وأبدى انفتاحاً على مكونات المجتمع الصحراوي، يسمح ببداية حوار آخر يوازي المفاوضات السياسية.
لن تكون زيارة بان كي مون، في حال التزامه المساهمة مباشرة في محاولات ردم فجوة التباعد بين مواقف الأطراف، منفصلة عن جهود الموفد الدولي. بل تعتبر أكبر دعم لها، من منطلق أن الأمين العام يتحرك في الإطار الذي صاغته قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وإن كان عبّر عن أمله في استمرار التزام حرفية القرارات ومضامينها ذات البعد السياسي والقانوني والاقتصادي، أي تكريس مشاركة عملية للسكان المعنيين في تقرير مصيرهم. بيد أنه لم يكن لصيغة المفاوضات أن تتبلور، على رغم الحساسيات التي تطبعها، لولا أن اقتراح الرباط خطة الحكم الذاتي أفسح في المجال أمام بدائل عملية قابلة للتنفيذ. ما دفع «بوليساريو» إلى قبول أن يكون الحكم الذاتي واحداً من الخيارات التي تكون موضع استفتاء، إلى جانب فرضية استقلال الإقليم أو ضمّه نهائياً من طرف المغرب.
عندما طرح الوسيط الدولي جيمس بيكر، بدائل المآزق التي شملت إقرار الاستفتاء أو الحكم الذاتي أو ضمّهما، أشار بوضوح إلى مرجعية الحكم الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، باعتباره كان منطلق استرداد الرباط إقليم الصحراء من طرف إسبانيا، المستعمر السابق. وإن كان منطوق الاستشارة عرض لمفهوم تقرير المصير. لكن المغاربة يقولون إن ليست هناك صيغة وحيدة لهذا المفهوم، تماماً كما أن الفرنسيين في تعاطيهم مع الوضع في إحدى الجزر التابعة للنفوذ الفرنسي، اعتبروا مشاركة السكان في الاستحقاقات الانتخابية نوعاً من تقرير المصير.
يتعدّى مشكل الصحراء صراع المفاهيم والمرجعيات. وسيجد بان كي مون أن الاقتراب أكثر إلى ملف الصراع الإقليمي، يكشف أنه ليس بالسهولة التي يمكن اختزالها عبر المفاهيم. أقلّه أن السكان المعنيين بأي استشارة في إطار الحكم الذاتي، موزعون بين ثلاث مناطق. الأقاليم الواقعة تحت نفوذ المغرب، ومخيمات تيندوف جنوب غربي الجزائر وشمال موريتانيا. وقد ترك هذا التوزيع ندوباً ومشاعر ومواقف متباينة بين ممثلي السكان، لكن الابتعاد منه ليس حلاً، بالنظر إلى التحديات التي تواجهها المنطقة وامتداداتها الجغرافية على الساحل الأفريقي. وبالتالي، فإن وضع قرارات مجلس الأمن موضع التنفيذ يبقى الخيار الوحيد. وفي المقدّمة، البدء بإجراء إحصاء دقيق لسكان المخيمات، والانتقال إلى اعتبار حق العودة الطوعية مثل حق اللجوء الذي ينتفي عندما تسقط مبرراته.
يبقى السؤال مطروحاً: هل أن قضية الصحراء يختزلها وجود لاجئين في مخيمات؟ أم أنها أكبر من ذلك بكثير؟

*كاتب صحفي/”الحياة”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *