هل بإمكان تونس والجزائر إنقاذ ليبيا؟

اختار الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي أن تكون أول زيارة له إلى الخارج بعد توليه الرئاسة رسميا، إلى الجزائر. اختيار كان منتظراً، أو لم يكن مفاجئا، لأسباب كثيرة، منها الموضوعي والذاتي.
من الأسباب الموضوعية، الهموم والمخاوف المشتركة من الفلتان الأمني والتدهور السياسي في دول الجوار، وخصوصا ليبيا. وكذلك الحرص على علاقات جيدة مع الجزائر، فالأخيرة، وفي ظل علاقات متوترة باستمرار مع المغرب، لا تتحمل تدهور علاقاتها مع تونس، وهذه بدورها لا تستطيع العيش في أمان بعلاقات غير سويَّة مع جارتها الغربية.
وفوق هذا وذاك، لم تصل العلاقات التونسية الجزائرية في الخمسين سنة الأخيرة إلى درجة خطيرة من التدهور. ولا يوجد ما يدفعها إلى ذلك.
أما الأسباب الذاتية فتجد تفسيرها في ذلك الود المستمر بين البلدين، وتلك المودة التي يحفظها التونسيون للجزائر باعتبارها الجار الأكبر الذي لا جدوى من مناصبته العداء، حتى وإن توفرت أسباب هذا العداء.
بالمقابل، يستمتع المسؤولون الجزائريون بهذا الشعور الإيجابي الذي يرقى أحيانا إلى درجة الإطراء.
كما يمكن إيجاز الأسباب الذاتية في كون قايد السبسي ينتمي للجيل السياسي والبيولوجي ذاته الذي ينتمي له الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والحاكمون الآخرون في الجزائر. عندما يحل قايد السبسي في الجزائر، فهو على الأقل يضمن أنه سيستمع إلى لغة يفهمها، وسيجد فيها مَن يفهم لغته السياسية. وفي هذه التفاصيل ضمان لمزيد من راحة البال وأسباب لنجاح الزيارة الرئاسية.
وعندما يلتقي بوتفليقة وقايد السبسي من شبه المؤكد انهما يتحدثان في الماضي أكثر من حديثهما عن المستقبل، لأن مستقبل الرجلين وراءهما، ولأن بوتفليقة عُرف عنه إفراط في الحنين إلى سنوات الحرب الباردة (هذا يتوقف طبعا على فرضية ان بوتفليقة لا يزال يمتلك القدرات البدنية والذهنية التي تسمح له بعقد جلسات عمل مطولة يعود فيها إلى أيام شبابه ومجده).
إلى أربع سنوات مضت، لم يكن هناك موضوع بعينه يهيمن على لقاءات القادة الجزائريين والتونسيين. كانت لقاءات هادئة خالية من الموضوعات الخطيرة. غير أن الوضع اختلف اليوم فأصبحت هناك ليبيا وما تحمله من مخاطر على البلدين.
لكن ماذا باستطاعة الجزائر وتونس أن تقدما لتطويق النزاع الليبي الداخلي، ناهيك عن إنهائه؟
الأزمة الليبية يحلها الليبيون.. بسلام عادل يحفظ البلاد ووحدتها الترابية، أو بتقسيمها إلى دويلات يفرضها منطق الجغرافيا والقبلية. أو تحلها قوى كبرى تأتي من بعيد تفرض حلا على الجميع.
أما الجزائر وتونس فمستبعد لهما أي دور فاعل ومفيد. البَلـَدان لا يستطيعان حتى مجرد الوساطة بين أطراف الصراع في ليبيا، ناهيك عن الإسهام في حل يرضى كل الليبيين.
تونس لا تريد لأنها لا تمتلك الرصيد الدبلوماسي والمعنوي، فقد ظلت طيلة العقود الماضية على الحياد وعرفت كيف تبتعد عن التوترات الإقليمية والدولية وتخرج منها بلا أضرار. كما أنها لم تمتلك طموح الزعامة والوساطات كما هو شأن الجزائر، وهو أمر أراحها وأراح جيرانها.
على صعيد الواقع، من حق تونس أن تخاف من تبعات الفشل عليها وعلى استقرارها وأمنها. فأي تدخل غير محسوب جيداً ستكون عواقبه غير محمودة لأن تونس، ببساطة، هي الحديقة الخلفية للصراع الليبي، ووضعها بشكل عام لا يمكّنها من تحمل التبعات السياسية والأمنية والاقتصادية لأي تدهور أو تدخل يُنظر له من أحد الأطراف الليبية بأنه مجحف.
الجزائر تمتلك نوعا من الرصيد، وإن تجاوزته الأحداث، لكنها لا تمتلك القدرة ولا تستطيع التأثير بسبب تراجع دورها الإقليمي والدولي في العقدين الماضيين.
هناك سبب آخر يرتبط بالواقع: اختلاف الصراع الليبي عن نوع الصراعات التي نجحت الجزائر في تسويتها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والتي كانت في العادة بين بلدين مستقلين بسلطات قائمة وحكومات.
كما لا يجب إنكار أن صورة الجزائر غير ناصعة في نظر جزء من الليبيين. ذلك أن الدبلوماسية الجزائرية ارتبكت لحظة قيام الثورة على نظام العقيد معمر القذافي، ثم ادّعت حياداً فُسِّر بسهولة انحيازا للقذافي ترتب عنه استياء جماعات المعارضة من الدور الجزائري. استياء لا يزال معلقا لأن أصحابه لم يمتلكوا الوقت والفرصة السانحَين لطلب استفسار من جارهم الغربي.
وليست علاقة الجزائر بالوضع في ليبيا اليوم أفضل حالاً، لأن بعض الأطراف، وبالخصوص الإسلاميين هناك، تراها منحازة وأقرب إلى اللواء خليفة حفتر منها إلى الحياد.
ويبدو أن الجزائر تتردد اليوم في استقبال رئيس الوزراء المؤقت (طبرق) عبد الله الثني حتى تُبعد عنها شبهة عدم الحياد. الثني يريد زيارة الجزائر وكسب موافقتها على «محاربة الإرهاب»، وهذا يعني، ببساطة، محاربة طرف من أطراف النزاع الداخلي في ليبيا.. وتلك كل المشكلة لأن كل طرف يرمي الآخر بالإرهاب.
الجزائر وتونس أول المعنيين بالنزاع الداخلي في ليبيا، لكنها آخر من يستطيع حله. كل يمكنهما فعله في ليبيا اليوم هو التشجيع على حل، وعدم عرقلته إن أوجده آخرون.

٭ كاتب صحافي جزائري/”القدس العربي”

اقرأ أيضا

المغرب يحرز نجاحا بنسبة 100 بالمائة في ترشيحاته للمناصب الشاغرة دوليا وإقليميا

سجلت المملكة المغربية خلال سنة 2024، نجاحا بنسبة 100 في المائة في ترشيحاتها للمناصب الشاغرة داخل المنظمات الدولية والإقليمية.

المغرب وألمانيا يوقعان على اتفاقية بقيمة 100 مليون أورو

وقع الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية، المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، والمسؤول الإقليمي عن قطاع الماء بمنطقة شمال إفريقيا لدى البنك الألماني للتنمية (KfW – Kreditanstalt für Wiederaufbau)، يان شيلينغ، اليوم الخميس بالرباط، اتفاقية بقيمة 100 مليون أورو لتمويل برنامج دعم السياسات المناخية بالمغرب.

المغرب يشدد على استعجالية استجابة جماعية لإسكات البنادق في إفريقيا

شدد المغرب، اليوم الأربعاء بأديس أبابا، أمام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، على استعجالية استجابة جماعية لإسكات البنادق في إفريقيا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *