ليبيا محل لامتحان صدق النوايا

الأخذ والرد اللذان صاحبا اجتماعات مجموعة الاتصال الدولية بشأن ليبيا وانسحاب المبعوثين الليبيين والمصريين والإماراتيين ثم عودتهم يشيران إلى الطريقة التي يتشكك بها العالم في الموقف التركي، وإلى حد ما الموقف القطري، من النزاعات الساخنة في شمال أفريقيا.
ينظر العالم إلى تدهور الأوضاع في ليبيا بقلق. هذا بلد يسبح على بحيرة من السلاح وبحيرة ثانية من النفط. هذا يعني أن من يحوز السلاح ويفرض واقعا سياسيا معينا من خلال سلطة متشددة، سيتمكن من الاستمرار لفترة طويلة لأن واردات النفط ستوفر له موارد العيش والاستمرار. هذا الخليط سبق وأن جربناه في إيران عندما أتت سلطة أيديولوجية واستفادت من إيرادات لا تنتهي من الواردات النفطية، لتصبح مصدر قلق في المنطقة لا أول له ولا آخر.
لعل من الواجب الاشارة إلى أن ثمة مرونة غربية استثنائية في التعامل مع الوضع الليبي على الرغم من تشابكه، فالغرب أظهر ميلا للقوى التي تمثل الأخوان مقابل تشدده الواضح في التعامل مع القوى الوطنية والليبرالية التي يمثل اللواء خليفة حفتر رأس حربتها، والسبب بسيط، هو تركيا وقطر.
عندما انسحب المبعوثون الليبيون ومعهم المصريون والإماراتيون من اجتماعات المجموعة، كانوا يريدون إيصال رسالة بالغة الأهمية للطرف التركي تحديدا، مفادها: يكفي ما يحدث للمنطقة من تدخلات إيران لكي تأتينا تركيا بأجندتها الإخوانية وتحاول العبث بمقدرات المنطقة.
لم يكن التدخل التركي بناء أبدا، ففي ليبيا تحديدا ساعد على تشظي البلد، وبعض الليبيين صاروا ينظرون إلى مناطق مهمة في بلادهم على أنها مستعمرات تركية وأنها تخضع لمسار إخواني يحدد في أنقرة والدوحة. وهذه ليست وصفة لحل المشاكل.
الجوار الليبي قلق أيضا، فمصر لا تريد أن ترى تركيا وهي تعبث بالأمن الليبي الذي هو جزء مهم من الأمن القومي المصري، وتونس تشهد تسللا شبه يومي للمسلحين لشن هجمات على قوى الأمن، وحتى الجزائر التي ألفت فكرة المناكفة في شمال أفريقيا، صارت قلقة من ترك الحبل على الغارب في ليبيا.
لا يمكن العبث بمقدرات الشعوب بالطريقة التي تمارسها تركيا. ما الذي يجعل تركيا تتدخل في ليبيا غير الدوافع الأخوانية؟ ما هي العوامل المشتركة؟ هل هو الدين؟ هل يعني هذا أن تأتي إندونيسيا أو باكستان بحكم أنهما دولتان إسلاميتان لتتدخلا في ليبيا؟
تحاول تركيا أن توحي بصدق النوايا في التعامل مع الشأن العربي، تحاول أن تستعين بعون إعلامي وسياسي قطري، ولكن علينا الحكم بصدق النوايا. نحتاج أن تبادر الدولتان لكي تعطي الليبيين فرصة في أن يحلوا مشاكلهم بطريقة تضمن وحدة البلد وسلامة الإقليم وأمن المنطقة ككل.
“داعش” التي تسرح وتمرح على بعد خطوات من الأراضي التركية صارت ماركة عالمية بفروع في كل مكان. سلاح “داعش” الأهم هو عبث تركي مرتجل لا يأخذ مصالح البلاد التي صارت ضحية له. وإذا كانت “داعش” لا تتحرش بالأمن القومي التركي لعدم تقاطع المصالح مع سلطة أردوغان الإخوانية، فإن ذلك لا يعني أن تركيا ستكون بمنأى دائم عن خطر يتربص بالجميع.

*كاتب من الإمارات/”العرب”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *