حكومة… وتساؤلات

دخول حزبي «النهضة» و«آفاق تونس» هو الفارق الأساسي الذي يميّز حكومة الصيد التي أُعلن عن تركيبتها أمس عن حكومة الصيد التي بقيت حبرا على ورق بسبب الرفض العام الواضح التي قوبلت به حتى قبل تقدّمها للمصادقة أمام مجلس نواب الشعب.
فهم اذن السيد رئيس الحكومة الرسالة وقبل بتشريك حزبين فاعلين على الساحة السياسية ووازنين داخل البرلمان: أولهما حزب النهضة المنافس الأول لحزب نداء تونس وخصمه السياسي، وآفاق تونس احدى مفاجآت الانتخابات التشريعية وحليف النداء في الانتخابات الرئاسية التي توجت السيد الباجي قايد السبسي رئيسا للجمهورية. بتشريك هذين الحزبين يكون السيد الصيد قد حقق بعدُ هدفين اثنين هامين:
أولهما تجاوز عقبة المصادقة البرلمانية التي ستحسم لفائدة الحكومة بأسبقية مريحة.
وثانيهما اعطاء وزن سياسي وكثافة قيمية للتشكيلة الحكومية ستمكنها لامحالة ـ على الأقل في مرحلة أولى ـ من احراز ثقة الرأي العام الوطني واحترامه.
لكن هذه الجوانب الايجابية لا يجب أن تنسينا أن الحكومة المقترحة لا تخلو تركيبتها من عيوب ومساوئ سوف تنعكس على أدائها إن لم يكن على المدى القريب فعلى المدى المتوسط.
والعيب الأول والأخطر في تشكيلة هذه الحكومة أنها لا تخضع الى تناسق سياسي ولا الى تماسك وانما هي في عمقها عبارة عن تجميع لكيانات فكرية مختلفة قد يكون الرابط الغالب بينها توجه ليبرالي لكن ذلك لا يكفي لإعطاء الحكومة شخصية قوية قادرة على بلورة برنامج ليبرالي عملي ونافذ اذا افترضنا ان ذلك مشروعها.
صحيح أن دخول بعض الوجوه السياسية الوازنة يعطي هذه الحكومة ثقلا ومصداقية لم تكن للحكومة الاولى المجهضة، لكن هذه الوجوه لا تجعل من الحكومة الجديدة حكومة سياسية. هي حكومة بسياسيين لا حكومة سياسية، والفرق كبير وخطير لأن السؤال المطروح هو أي برنامج ستنفّذ هذه الحكومة: برنامج نداء تونس أم برنامج النهضة، أم برنامج آفاق أم برنامج الوطني الحرّ؟
من عيوب هذه الحكومة كذلك عدم الوضوح في طبيعة العلاقة بين نداء تونس العمود الفقري للتشكيلة الحكومية باعتباره حزب الأغلبية والأحزاب الأخرى المشاركة، وهي علاقة متفاوتة وغير متكافئة اذ تسوّي بين حزب النهضة وحزب آفاق تونس من حيث عدد الحقائب المسندة رغم اختلاف الحجم بين الحزبين، وهو أمر يطرح أكثر من تساؤل حول هدف مشاركة كل طرف في هذه الحكومة وحول هويتها عموما: هل هي حكومة تحالف أم حكومة وفاق أم حكومة اتفاق ظرفي أملته الظروف الضاغطة للبلاد والاستحقاقات العاجلة للتونسيين؟
كل هذه الأسئلة والتساؤلات تنتظر أجوبة لأن ذلك من مقتضيات الممارسة الديمقراطية التي تعامل المواطن باحترام وجدية باعتباره شريكا راشدا ومسؤولا.
أما وقد نجح السيد الحبيب الصيد في تشكيل حكومته وضمن لها المرور السالم أمام نواب الشعب فإنه مطالب الآن بالتفسير والإقناع وتوضيح الرؤية حتى يجمع حوله الناس ويجمّع الطاقات.

*صحفي تونسي/”الشروق”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *