استمرار تجرية بن كيران؟

غزلان جنان
وجهات نظر
غزلان جنان10 فبراير 2014آخر تحديث : منذ 10 سنوات
استمرار تجرية بن كيران؟
استمرار تجرية بن كيران؟
8b4a7ea3ecafbb8fa3d97b752cf2b591 - مشاهد 24

عندما كان التونسيون يحتفلون بالتصديق على الدستور الجديد، كان رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بن كيران يعاضد الروس في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. والصدفة ليست عادية، طالما أن المسؤول المغربي كان من مناصري حركة النهضة التونسية والتيارات الإسلامية التي قفزت إلى الواجهة، بعد موجة الربيع العربي، وإن كان حرص على وضع مسافة أبعد إزاء تجربة حكم «الإخوان المسلمين» في مصر.
قبل أيام تحدث بن كيران، أمام مؤتمر دافوس الاقتصادي، بلهجة تحيل على بعض انشغالاته، فقد انزلق لسانه متسائلاً إن كان سيحضر تظاهرة العام المقبل، بصفته رئيس حكومة أم لا. والواقع أن الأمر لا يخصه وحده، فالطيف السياسي في الحكومة والمعارضة على حد سواء تتملكه نزعة السؤال، فيما إذا كانت التجربة الراهنة ستكمل ولايتها إلى عام 2016 أم ستتعثر في نصف الطريق؟ ذلك أن تململاً بدأ يدب في صفوف الائتلاف الحكومي الذي يتزعمه حزب بن كيران «العدالة والتنمية» ولم ينقض نصف العام على الطبعة الثانية للحكومة، إلى درجة أن رئيسها خاطب مناصريه في اجتماع حزبي إن كانوا خائفين، فيما ارتفعت أصوات من هنا وهناك تحصر أشكال الخسارة السياسية التي منيت بها بعض الأحزاب، جراء استمرار المشاركة في الحكومة، كما في حال «التقدم والاشتراكية”.
وذهب الأمر بزعيم الحركة الشعبية وزير الداخلية السابق محند العنصر إلى الإعلان صراحة أنه في حال قرر حزبه الانسحاب، فإنه لن يضع رجلاً في المعارضة وأخرى في الحكومة. ما يعني أن مواقف الشركاء في الائتلاف الحكومي لم تعد تميل إلى الاطمئنان. خصوصاً أن سابقة انسحاب وزراء «الاستقلال» ألقت بظلالها على التجربة. وبالقدر الذي يبدو حزب رئيس الحكومة وحده مرتاحاً للتخلص من حليف عنيد، بالقدر الذي يتردد حلفاؤه الآخرون في الذهاب إلى أبعد الحدود، لجهة التعاطي واستحقاقات إصلاحية، ينظر إلى أن تكلفتها ستكون قاسية على الرصيد والنفوذ الشعبي. في ضوء اتساع رقعة الاحتقان الاجتماعي ودخول أعتى المركزيات النقابية على خط مواجهة الإجراءات الحكومية، ذات الصلة بإلغاء الدعم على المواد الاستهلاكية وترفيع أسعار البنزين.
أمام الحكومة فرصة نادرة، تكمن في معاودة بدء الحوار الاجتماعي الذي يكفل استبدال ثقافة الاحتجاج بمنطق التفهم والتفاهم. فالسلم الاجتماعي يظل مطلوباً. لأنه لا يمكن صب الزيت على النار، والإجراءات الصعبة في تدبير الإشكالات الاقتصادية والمالية، من قبيل إلغاء الدعم الموجه للمواد الاستهلاكية الأساسية مثل الزيت والسكر والدقيق، لا يمكنها أن تمر ويبلعها الشركاء الاجتماعيون في غياب حد أدنى من الدعم. فقد دلت تجارب سابقة على أن المواجهات في المغرب، حين تندلع بين المركزيات النقابية والحكومات، تخسر الأخيرة ماء الوجه. وتضطر في النهاية إلى التراجع.
بيد أن إصرار حكومة بن كيران على إغلاق الباب الذي تنفذ منه الريح، يترك ثقوباً في الجدران. وما يدفع إلى الاعتقاد بأن الائتلاف الحكومي يصعب عليه أن يذهب أبعد. هو أن كل طرف ينظر حوله إلى الاستحقاقات المقبلة، في ظل قيام تحالفات جديدة عززت صفوف المعارضة، ولم تتمكن الحكومة من أن تتحول إلى تحالف دائم الفعالية، بسبب مؤاخذات تكرر نفسها، ليس أقلها أن ثمن الإصلاحات، في دعم سياسي واجتماعي سيكون باهظاً بالنسبة للجميع.
تبدو وتيرة الائتلاف الحكومي أقل تفاؤلاً. على عكس الحال الذي كان عليه الوضع إبان تشكيل طبعتها الأولى، أو حين أكملت بناء نسختها الثانية. وللمرة الأولى يسود تململ لا يشجع رئيس الحكومة على المغامرة بكل الرصيد الذي حصل عليه. فقد خرج منتصراً من جولة صراع الإخوة – الأعداء الذي ساد العلاقات بينه و «الاستقلال»، وكان من بين الأسباب أن المغرب نأى بنفسه بعيداً عن اقتباس تجارب اجتازتها دول ما يعرف بالربيع العربي. كي لا يسقط في الانسياق وراء موجة تقليم أظافر الحركات الإسلامية. إلا أن المواجهة ارتدت طابعاً آخر، محورها أن الملفات الاجتماعية اعتلت الواجهة.
في كل مرة، حاولت فيها السلطة التنفيذية الاقتراب إلى لهيب النار الذي يسيج مستويات العيش، وعلاقة الدولة ودورها في تقنين الدعم وخفضه، أو في معالجة إشكالات التعليم والقضاء وملفات التقاعد، يزيد اللهيب اشتعالاً. واضطر الملك الراحل الحسن الثاني مرة إلى الاستئناس بتقارير المصرف الدولي وصندوق النقد، للإعلان أن البلاد على وشك الانهيار الاقتصادي والمالي. فقد مهدت التجربة لانتقال أحزاب المعارضة السابقة إلى الحكم، لكن من دون الخوض في الملفات التي تحرق الأصابع.
رهان بن كيران يبدو مماثلاً، لكنه لا يقدر على ضرب مراكز النفوذ والفساد، خارج معادلة دعم المركزيات النقابية، وتأشيرة المعارضة، فقد يواجه انفراط عقد حكومته قبل أن يبدأ. وما عليه سوى استبدال الإجراءات الأكثر كلفة بحوار سياسي شامل، لا يستثني فصائل المعارضة، ويكون أقل كلفة، يضمن للتجربة استمراريتها.
“الحياة” اللندنية

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق