الليبيون اليوم يحاكون عراق الأمس ويتباكون على بلاد ضاعت ووطن نهب وسرق وطغت فيه الأحقاد والتعصب المناطقي والقبلي، وقد نجح الغرب في جعل ليبيا أسوأ مكان في العالم إفتقدت فيه الإنسانية بأبشع صورها، وخاصة بعد دخول التطرف الإسلامي وأنصاره على الخط، وهو ما أدخل ليبيا في هذا النفق المظلم الذي أصبح يحتاج إلى معجزة للخروج منه. ينظر الجميع بترقّب شديد وحذر إلى مآل تلك التطوّرات التي باتت تُهدّد وحدة هذا البلد ودول الجوار والمنطقة ككل، فليس من شك في أن الوضع الليبي الراهن هو نتاج لمسار كامل لحقت به العديد من الإهتزازات التي أدّى في نهاية المطاف إلى اتساع الهوة بين مختلف الأطراف السياسية وكثرة التجاذبات والإستقطابات، وانتهى إلى ضبابيّة المشهد السياسي وتداخل لعناصر في غاية الخطورة منها سطوة المجموعات التكفيريّة وانتشار السلاح في كلّ مكان وتقلّص سلطة الدولة ومؤسّساتها الراهنة، مما عزز على تفاقم الأزمة الداخلية بين الفرقاء السياسيين وإنقسام الشعب، وأصبحت البلاد مهددة بنشوب حرب أهلية بالرغم من المساعي المحلية والإقليمية والدولية وخاصة بعد دخول قوات قائد حركة “كرامة ليبيا” اللواء خليفة حفتر مدينة بنغازي لمحاربة الإرهاب، وصدور قرار من رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) نوري أبو سهمين بتكليف “درع المنطقة الوسطى” لتأمين وحماية المراكز الحيوية في العاصمة طرابلس بعد اقتحام البرلمان الليبي من قبل مسلحين، ما أدى إلى إشتعال الأزمة وإنقسام الشعب الليبي بين مؤيد ورافض حول ما يحدث بالبلاد. ويبدو أن الدول الغربية وبعض الدول العربية التي كانت مشغولة بأكثر من ملف عربي ودولي كالملف النووي الإيراني والأزمة السورية على وجه التحديد لم تتمكن من متابعة كل الأهداف المعادية التي ظهرت فجأة على سطح الأحداث، ما أصابها بإرتباك شديد تسعى لتفاديه في ليبيا بمحاولة الالتفاف على خطوة حفتر التي تحظى بقبول متزايد وتأييد شعبي كبير في ليبيا وفي دول الجوار، بما يهدد بنسف الإستراتيجية الغربية الساعية إلى الإستفادة من الفوضى الليبية، وتُعد انتفاضة حفتر المعادي للإسلاميين المفاجأة الكبيرة في صراعها مع القوى المناهضة لها عربياً وإقليمياً حول الملف الإخواني خاصة في مصر، وكان سقوط الإخوان فيها الخطوة الأولى لتصدع المشروع الغربي في المنطقة الذي تبعه بعد ذلك عملية تطهير ليبيا من الإخوان والإسلاميين. وفي إطار ذلك يمكنني القول إن حل الأزمة الليبية يتوقف على تفعيل آليتين أساسيتين، الأولى تتعلق بفرض الأمن والاستقرار في ليبيا من خلال دعم المبادرات المتخذة وتنفيذ تدابير أمن الحدود التي انتهى إليها مؤتمر الرباط، أما الآلية الثانية، فتتعلق بدعم الجهود المبذولة من أجل بناء المؤسسات في ليبيا، وهو المسار الذي تعترضه صعوبات كبيرة، وفي حالة إنعدام الوفاق والمصالحة بين القبائل فضلاً عن تكوين نواة الدولة الليبية من جيش وقوات الأمن وإدارة وإقتصاد، فسوف تكون ليبيا معبراً لكل المجموعات الإرهابية وملجأً لها كما ستجعل بعض الجماعات تتسرب إلى الدول المجاورة وعلى الأخص المغرب والجزائر وحتى مصر وبالتالي إحداث وضعية عدم الإستقرار في المنطقة، ولا شك أن استمرار هذه الأوضاع، وعجز الشعب الليبي عن التوافق على رؤية وطنية لوضع حد لها، من شأنه أن يعصف بمقدرات البلاد، ويعيق مسيرتها لتحقيق الأمن والإستقرار. ها هو المجتمع الدولي يكتشف مرة أخرى حجم الفوضى العارمة التي تعيشها ليبيا ما بعد القذافي، وإكتشف أن الثورة المزعومة لم تحرر الإنسان الليبي، وتحقق أمنه واستقراره، بل إن الليبيين صاروا يترحمون على زمن القذافي بعد كل الظلم الذي لحقهم على أيدي الجماعات الإرهابية التي تسمي عناصرها ثواراً، وبالتالي فإن الغموض الذي يكتنف تطورات الأحداث في ليبيا يدعو إلى قلق المجتمع الدولي بأسره، لاسيما في ظل تعقيد خريطة النزاعات بين الفرقاء، وأنا على يقين أن أبناء ليبيا سوف يقفون خلف كرامة وطنهم حتى يتحقق المرجو لليبيا، وهو محو كل إرهاب غاشم يستهدف ليبيا و العرب،وبالتالي عرقلةً مخطط الناتو الذي دمر وأزهق وأباح كل أركان الدولة الليبية. وأخيراً يبقي السؤال الرئيسي وهو، إن ليبيا في ظل هذه الأحداث إلي أين ستذهب؟ إما إلى الهاوية أو أن يستيقظ الشعب و ينقلها إلى بر الأمان والإستقرار وتحقق الأهداف المنشودة!
“المنار”
اقرأ أيضا
مزور يعرض حصيلة دعم مشاريع الشباب وتنمية روح المقاولات
أعلن رياض مزور وزير الصناعة والتجارة، إطلاق مشاريع تهدف إلى تعزيز الإدماج الاقتصادي للشباب. وأبرز …
المغرب يكرس ريادته الأفريقية بمبادرات غير تقليدية.. هل يفهم جنرالات الشرق الدرس؟!
ثمانية أعوام مرت على استعادة المغرب لمقعده في الاتحاد الأفريقي، قام خلالها بتعويض غيابه عن المنظمة القارية الذي دام ثلاثة وثلاثين عاما، وهدم ما بناه جنرالات الجزائر خلالها من تحالفات معاندة للوحدة الترابية المغربية
“صورة” تفقد سائحة الذاكرة في لندن
تعرضت السائحة اللاتفية أناستاسيجا غريغورييفا، 21 عاماً، لصعقة كهربائية شديدة في حديقة سانت جيمس بارك …