علاقات المغرب بالمشرق في العصر المريني الثاني

بقلم: محمد المنوني

إن أول ميزة لهذه الفترة، ارتفاع عدد الملوك الذين كانت لهم علاقات مع الشرق الإسلامي بالنسبة لعددهم في العصر المريني، وقد بلغ عددهم في هذا العصر الثاني ستة وهم:

1 – – أبو عنان فارس بن أبي الحسن (749 ﻫ 1348 م ـ 759/1358)
2 – – أبو فارس عبد العزيز الأول بن أبي الحسن (767/1366 = 774/1372)
3 – – أبو عامر عبد بن أبي العباس بن أبي سالم (799/ 1397 = 800/1398)
4 – – أبو سعيد عثمان الثاني بن أبي العباس بن أبي سالم (800/1398 = 823/1420)
5 – – عبد الحق ابن أبي سعيد بن أبي العباس بن أبي سالم (823/1420 = 869/1465)

1 – أبو عنان
“وحضر صاحبنا قاضي العسكر بفاس، الفقيه الكاتب أبو القاسم البرجي بمجلس السلطان أبي عنان، متصرفه من السفارة عنه إلى ملوك مصر، وتأدية رسالته النبوية إلى الضريح الكريم: سنة ست وخمسين وسبعمائة….” (1) الذي أوردها هكذا.
فهذه الفقرة تكشف عن قيام علاقات بين المغرب ومصر أيام أبي عنان، وعن وجود سفارة توجهت من المغرب المريني إلى مصر المملوكية سنة 756 ﻫ ـ 1355م. وقد كان ملك مصر وما والاها في هذا التاريخ، هو السلطان حسن الناصر بن الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي في ولايته الثانية التي كان فيها تحت استبداد اثنين من أمراء المماليك، ويظهر أن هذا الوضع هو الذي دفع ابن خلدون أن يجعل السفارة لملوك مصر بدل ملك مصر، وهو يقصد السلطان حسن مع الأميرين المستبدين عليه، في دولته الثانية التي استمرت من سنة 755 ﻫ ـ 1354 م إلى سنة 762 ﻫ (2) ـ 1361 م.
ولا شك أن هذه السفارة هي التي ذكرها ابن الخطيب (3) في ترجمة البرجى لما قال: “واستعمل في السفارة إلى ملك مصر”. كما أنه لا يبعد أن تكون هذه السفارة هي التي أشار لها ابن أبي حجلة لما قال في كتابه “منطق الطير (4) “: وقلت في غراب أبي عنان القادم في الرسلية “كذا” إلى إسكندرية: أتتنا من جواريه فتاة ومسبل قلعها مثل الأزار غراب طائر بجناح قلع فما أخطأ بأنعمه مطاري”.
وقد يكون هذا الغراب هو الذي تحدث عنه ابن الخطيب في ثفاضة الجراب” (5) التي أوردت الفقرة التالية أثناء كلام: (.. واتفق تفئة ذلك أن وصل سبتة الغراب الموجه إلى الإسكندرية أخريات الأمير أبي عنان… بما جد له ثراؤه من متاع الشرق وطيبه وطرفه فحط بسبتة). وهذا يفيد وجود علاقات تجارية بين المغرب ومصر في هذه الفترة.
وبعد هذا نذكر أن هناك شيئا آخر ورد في فقرة “التعريف بابن خلدون” السالفة الذكر حيث قال: (وتادية رسالته النبوية إلى الضريح الكريم). وهذا يفيد أن البرجي كان مكلفا ـ من طرف أبي عنان ـ بمهمة ثانية إلى جانب السفارة إلى مصر، وهي إيصال رسالة نبوية كتبها هذا الملك إلى المقام النبوي الكريم بالمدينة المنورة.
وقد كانت هذه الرسالة النبوية عبارة عن رسالة من إنشاء أبي عنان، متصلة بقصيدة من نظمه، وكلاهما ـ على حد تعبير ابن الخطيب (6) ـ يعلن ـ في الخلفاء ـ ببعد شأوه، ورسوخ قدم علمه، وعراقة البلاغة في نسب خصله، وحسب “تحفة النظار (7) ” فقد دبجهما أبو عنان بخط يده الذي يخجل الروض حسنا.
واشتهرت هذه الرسالة بالشرق بعد المغرب، حتى أوردها “بكشف الظنون (8) ” في العبارة التالية: “الدرة السنية والرسالة النبوية” ـ رسالة أبي عنان ملك المغرب).
هذا ويظهر أن أبا عنان حبس على خصوص القصيدة ـ المكتوبة مع الرسالة ـ أوقافا لاستمرار قراءتها بالمقام النبوي الكريم، فقد جاء في “نصح ملوك الإسلام (9) ” التصريح بأن القصيدة العنانية تقرأ بطيبة المشرق زمن تأليف هذا الكتاب نحو سنة 800/1398.
ولا يبعد أن يكون هذا الوقف من أغراض سفارة البرجي إلى ملك مصر الذي كان يتولى أمر الحرمين الشريفين أيضا. وهكذا تقدم لنا هذه الرسالة النبوية لونا آخر من علاقات أبي عنان الذي كان صيته قد شاع بالحجاز والعراق (10).
أما السفير البرجي فهو أبو القاسم محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن علي بن إبراهيم الغاني البرجي الغرناطي نزيل فاس، المتوفى سنة 786/1384 (11). ابتداء من أبي عنان نواجه الميزة الثانية لهذه الفترة، والتي تبدو في انعدام تفصيلات وافية عن علاقات المغرب مع الشرق في هذا الدور. وأولى ظاهرة لهذه الميزة بالنسبة لأبي عنان، أنه لا توجد إلا إشارة عابرة ومقتضية، تفيد وجود سفارة بعثها هذا العاهل المغربي إلى مصر، وقد جاءت هذه الإشارة في “التعريف بابن خلدون”

2 – أبو فارس عبد العزيز الأول(12)
” وجود علاقات بينه وبين ملك مصر وما إليها لعهده: الشرف شعبان بن الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، فقد نقل عن مؤلف “التثقيف” أن مكاتبة هذا إلى أبي فارس عبد العزيز الأول كانت تقع في قطع النصف “حجم خاص من الرسائل”. وقد استمرت دولة الأشراف من سنة 764/1363 إلى سنة 778/1377 (13).
وكصنيع أبي عنان فإن عبد العزيز الأول بعث ـ هو الآخر ـ برسالة إلى المقام النبوي الكريم تحدث عنها ابن أبي حجلة في “منطق الطير” الذي ضمنه تقريظا ضافيا ـ منثورا ومنظوما ـ وصف في ثناياه الرسالة الفارسية. وبين أنها مفتتحة بأبيات دالية، ومكتوبة بخط أبي فارس نفسه، ومما جاء في هذا التقريظ: (… فقد وقف الملوك.. على الرسالة الملكية السلطانية الفارسية العزيزية، المجهزة إلى الحضرة النبوية، المفتتحة بأبيات الدالية.. وانتهى إلى ما أنجز في ذيلها من الضراعة والظمأ، إلى صاحب الحوض والشفاعة.. فقد بلغ برسالته التي قرئت بحضرة الرسول، وهبت عليها نسمة القبول .. ثم وصف خطها في هذه القطعة:
فكم همزة تبدو على “ألف” بهـا كساجعة من فوق غصـــــن تغرد
أغازل منها كل “عين” كأنـــما يلوح بها من أسود النقش انســد
وانظر من نقش القوافي بطرسها محارب “الدلال” بها الحر يسجد
وهناك ـ في نفس المصدر ـ قصيدة مطولة لابن أبي حجلة مدح بها أبا فارس الأول، وقال عن رسالته النبوية:

له في النبي الهاشمـي رسـالـة يطيب بها للسمــــع منه نشـــــيد
وأم بها من طيبة طيب روضة بها يقطف الجاني الرضى ويزيد
يؤخذ من “صبح الأعشى

3 – أبو عامر عبد بن أبي العباس بن أبي سالم (799/ 1397 = 800/1398) (14) .
وفي عهده وقعت مهاداة بينه وبين ملكي المغرب أبي العباس أحمد بن أبي سالم وابنه أبي عامر وتحدث عن هذه المهاداة ابن خلدون في موضعين من “العبر (15) “، ثم فصل حديثها تفصيلا في الخاتمة المعروفة بـ “التعريف بابن خلدون (16) ” والتي سنقتطف منها هذه الصفحة المطولة فيما يلي: (… ثم وصل إلينا “إلى مصر” عام ثلاثة وتسعين وسبعمائة “شيخ الأعراب”: “المعقل” بالمغرب، يوسف بن علي بن غانم، كبير أولاد حسين ناجيا من سخط السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم، من ملوك بني مرين بفاس، يروم قضاء فرضه، ويتوسل لرضى سلطانه، فوجد السلطان غائبا في فتنة منطاش (17) فعرفته لصاحب المحمل، فلما عاد من قضاء فرضه وكان السلطان قد عاد من الشام، فوصلته به وحضر بين يديه، وشكا به، فكتب الظاهر فيه شفاعة لسلطان وطنه بالمغرب، وحمله مع ذلك هدية إليه من قماش، وطيب، وقسي، وأوصاه بانتقاء الخيل له من قطر المغرب، وانصرف، فقبل سلطانه فيه شفاعة الظاهر، وأعاده إلى منزله، وانتقى الخيول الرائعة لمهاداة الملك الظاهر، وأحسن في انتقاء أصناف الهدية، فعاجلته المنية دون ذلك، وولي ابنه أبو فارس، وبقي أياما ثم هلك، وولي أخوه أبو عامر، فاستكمل الهدية، وبعثها صحبة يوسف بن علي الوارد الأول.
وكان السلطان الملك الظاهر، لما أبطأ عليه وصول الخيل من المغرب، أراد أن يبعث من أمرائه من ينتقي له ما يشاء بالشراء، فعين لذلك مملوكا من مماليكه منسوبا إلى تربية الخليلي، اسمه “قطلوبغا (18) “.
وبعث عني، فحضرت بين يديه، وشاورني في ذلك فوافقته وسألني كيف يكون طريقه، فأشرت بالكتاب في ذلك إلى سلطان تونس من الموحدين، وسلطان تلمسان من بني عبد الواد، وسلطان فاس والمغرب من بني مرين، وحمله لكل واحد منهم هدية خفيفة من القماش، والطيب والقسي، وانصرف عام تسعة وتسعين إلى المغرب، وشيعه كل واحد من ملوكه على ما منه، وبالغ في إكرامه بما يتعين، ووصل إلى فاس، فوجد الهدية قد استكملت، ويوسف بن علي على المسير بها عن سلطانه أبي عامر من ولد السلطان أبي العباس المخاطب أولا، وأظلهم عيد الأضحى بفاس، وخرجوا متوجهين إلى مصر وقد أفاض السلطان من إحسانه، وعطائه، على الرسول قطلوبغا ومن في جملته بما أقر عيونهم، وأطلق بالشكر ألسنتهم، وملأ بالثناء ضمائرهم… وكانت هدية صاحب المغرب تشتمل على خمسة وثلاثين من عتاق الخيل بالسروج واللجم الذهبية، والسيوف المحلاة، وخمسة وثلاثين حملا من أقمشة الحرير والكتان والصوف والجلد، منتقاة من أحسن هذه الأصناف.
وهدية صاحب تلمسان تشتمل على ثلاثين من الجياد بمراكبها المموهة، وأحمال من الأقمشة.
وهدية صاحب تونس تشتمل على ثلاثين من الجياد مغشاة ببراقع الثياب من غير مراكب، وكلها أنيق في صنعه، مستطرف في نوعه.
وجلس السلطان يوم عرضها جلوسا فخما في إيوانه وحضر الرسول وأدوا ما يجب عن ملوكهم، وعاملهم السلطان بالبر والقبول، وانصرفوا إلى منازلهم للجرايات الواسعة، والأحوال الضخمة، ثم حضر وقت خروج الحاج، فاستأذنوا في الحج مع محمل السلطان، فأذن لهم، وأرغد أزودتهم، وقضوا حجهم، ورجعوا إلى حضرة السلطان ومعهود مبرته، تم انصرفوا إلى مواطنهم، وشيعهم من بر السلطان وإحسانه، وما ملأ حقائبهم، وأسنى ذخيرتهم، وحصل لي أنا من بين ذلك في الفخر ذكر جميل بما تناولت بين هؤلاء الملوك من السعي في الصلة الباقية على البد، فحمدت الله على ذلك).
هذا حديث “التعريف بابن خلدون” عن تلك المهاداة، وما كان فيها من ثمتين للعلاقات بين المغرب والشرق، وهو يفيد أن روابط الإخاء بين المغرب ومصر، بلغت إلى حد التدخل الودي في علاقات ملك المغرب مع موظفيه، حيث رأينا الظاهر برقوق يتقدم بالشفاعة في شيخ عرب المعقل لدى العباس بن أبي سالم، الذي يتقبل الشفاعة الشرقية، ويعيد الشيخ العربي إلى منزلته.
هذا وقد ساق خبر هذه المهاداة ابن حجر في “أنباء الغمر بأنباء العمر (19) ” في شيء من المخالفة لما تقدم، فقد ذكر في حوادث سنة 800 ما يلي: (وفيها ـ في رمضان ـ وصل قطلوبغا الخليفي من بلاد المغرب وصحبته الخيول التي كان توجه لمشتراها للسلطان، وهي مائة وعشرون رأسا وحضر صحبته رسول صاحب فاس، ورسول صاحب تلمسان، ورسول صاحب تونس، والأمير يوسف بن علي أمير عرب تلك البلاد، وقدموا هداياهم، فقبلت وخلع عليهم وتوجهوا إلى الحج). وقد كان يعاصرهما في مصر وما إليها الملك الظاهر برقوق فاتح دولة الشراكة، والذي امتدت ولايته من سنة 784/1382 إلى سنة 801/1398

4 – أبو سعيد عثمان الثاني
وقد ارتبط بعلاقات مع ملك مصر وما إليها الناصر فرج ابن الظاهر برقوق الذي استمرت ولايته من سنة 801/1399 إلى سنة 815/1412 (20) . ويحتفظ “صبح الأعشي (21) ” بنص الرسالتين المتبادلتين في هذا الصدد، ومنهما ـ مع “الصبح” ـ نستفيد أن سفارة مغربية توجهت برسالة من فاس للقاهرة سنة 804 /1402، لتهنئة الناصر فرج بما تسنى له من إيقاف الزحف التتري ضد الشام بقيادة “تيمورلنك”، ومن الرسالة المغربية بالخصوص، نستفيد اسم القائم بهذه السفارة، مع الإشعار بما كان قر عليه العزم المريني من المساهمة في صد العدوان التتري لو استمر في زحفه، وقد قدم “الصبح” هذه الرسالة المغربية هكذا: “نسخة كتاب عن السلطان عثمان بن أبي العباسي المريني في العشر الأوسط من شعبان سنة أربع وثمانمائة”. وهذا يفيد أن هذه الرسالة صدرت عن أبي سعيد الثاني أيام حجابة فارح بن مهد 802/806 (22). وفيما يلي خلاصة الرسالة المغربية: (… فإنا كتبنا إليكم من حضرتنا العلية بالمدينة البيضاء …وكتابنا هذا يقرر لكم من ودادنا ما شاع وذاع، ويؤكد من إخلاصنا إليكم ما تتحدث به السمار فتوعيه جميع الأسماع.
وقد كان انتهى إلينا حركة عدو الله وعدو الإسلام ـ تقصد الرسالة تيمورلنك ـ وتعرفنا (23) إنه كان يعلق أمله الخائب بالوصول إلى أطراف بلادكم المصرية، وانتهاز الفرصة على حين غفلة من خلافتكم العلية، والحمد لله الذي كفى ـ بفضله ـ شره، ودفع نقمته وضره، وانصرف ناكصا على عقبة، خائبا من نيل أربه. وقد كنا حين سمعنا بسوء رأيه الذي غلبه الله عليه، وما أضمر لخلق الله من الشر الذي يجده في إخراه، ظله يسعى بين يديه ـ عزمنا على أن نمدكم من عساكرنا المظفرة بما يضيق عنه الفضا، ونجهز لجهتكم من أساطيلنا المنصورة ما يحمد في إمداد المناصرة ويرتضى، فالحمد لله تعالى على أن كفى المؤمنين القتال، وأذهب عنهم الأوجال، ويسر لهم الأعمال، وهيا لحالكم السنية وللمسلمين هناء يتضمن السلامة لكم ولهم على تعاقب الأعوام والسنين.
وبحب ما لنا فيكم من الود الذي أسست إنصافاة بنياته، والحب الذي أوضح الإخلاص برعايته، وقع تخيرنا ـ فيمن يتوجه من بابنا الكريم لتفصيل مجمله، وتقرير ما لدينا فيه على أتم وجه الاعتقاد وأكمله ـ على الشيخ الأجل، الشريف.. أبي عبد الله محمد بن الشيخ الأجل.. المقدس المرحوم أبي عبد الله ابن أبي القاسم بن نفيس الحسني العراقي (24)، وصل الله تعالى سعادته، وأحمد على حضرتكم السنية وفادته، حسب ما يفي بشرح ما حملناه نقله، ويكمل بإيضاحه لديكم يقظته ونبله..)
وبعد الرسالة المرينية تبين أن جواب الناصر فرح عنها كان من إنشاء القلقشندي (25) مؤلف “صبح الأعشي” الذي أثبت فيه نص هذا الجواب، وفيما يلي خلاصته: (.. فإنه ورد علينا كتاب كريم طاب وروده.. وفهمنا ما أظهره من كوامن المحبة التي بلغت من القلب الشغاف، وبوارح الشوق الذي عندنا من مثله أضعاف أضعاف، وانتهينا إلى ما أشار إليه المقام العالي من التلويح إلى ما طرق أطراف ممالكنا الشريفة من طارق الاعتداء وما كان من الواقعة التي كاد خبرها ـ لفظاعته ـ يكون كالمبتدأ ونحن نبدي لعلم المقام العالي ما يوضح له إن ما وقع من هذه القصة لم يكن عن سوء تدبير، ونورد عليه من بيان السبب ما يحقق عنده أن ذلك لم يكن لعجز ولا تقصير.. وذلك أنه لما اتصل بمسامعنا الشريفة قصد العدو إلى جهتنا.. بادرنا الحركة إليه في عسكر لجب.. وتحركنا من الديار المصرية في جيوش لا يأخذها حصر.. حتى وافينا دمشق المحروسة فنزلنا بظاهرها.. وانضم إلينا من عساكر الشام وعربانها، وتركمانها، الزائدة على العدد وعشراتها، ما لا ينقطع له مدد.. وأقبل القوم في لفيف كالجرد المنتشر، وأمواج البحر التي لا تنحصر.. وتراءى الجمعان في أفسح مكان.. ولم يبق إلا المبارزة، إذ ورد وارد من جهتهم يطلب الصلح والموادعة، فأجبناهم بإجابة.. فبينما نحن على ذلك واقفون.. إذ بلغنا أن طائفة من الخونة الذين ضل سعيهم. توجهوا إلى الديار المصرية للاستيلاء على تخت ملكنا الشريف في الغيبة.. فلم يسع إلا الإسراع في طلبهم، للقبض عليهم وإيقاع النكال بهم، وجازيناهم بما يجازي به الملوك من رام مرامهم (26) ، وظن العدو أن قصدنا الديار المصرية أنما كان لخوف أو فشل، فأخذ في خداع أهل البلد حتى سلموه إليه وفعل فعلته التي فعل.. ثم لم نزل نداب في تحصين البلاد وترويج أعمالها.. فاستقرت بعد الاضطراب، وتوطنت بعد الاغتراب، وفي خلال ذلك ترددت الرسل إلينا في عقد الصلح إمضائه… فلم يسعنا التكبر عن المصالحة، بل سعينا سعيها … فعقدنا لهم عقد الصلح وأمضيناه (27) .. والله تعالى يجنب أخاكم الكريم مواقع الغير، ويقرن مودته الصادقة بصفاء لا يشوبه ـ على ممر الزمان ـ كدر…).

5 – عبد الحق بن أبي سعيد الثاني
ورد في “دائرة المعارف” الوجدية (28) أنه لما فتحت القسطنطينية العظمى عام 857/ 1453 ـ كان سلطان المغرب من جملة من أرسل بالتهاني إلى السلطان الفاتح محمد الثاني (29). ولا شك أن سلطان المغرب في هذا التاريخ هو عبد الحق بن أبي سعيد الثاني آخر ملوك الدولة المرينية، وبهذا يكون عبد الحق المريني هو فاتح علاقات المغرب مع الدولة التركية العثمانية.

الهوامش:
(1) – نشر الأستاذ محمد بن تاويت الطنجي ـ القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1370/1951 ص 248.
(2) – أنظر عن السلطان حسن في دولته الثانية: “العبر” ج 5 ص 450/452 ط مصر سنة 1284ﻫ.
(3) – مختصر الإحاطة المطبوع باسم “الإحاطة” ج 2 ص 221 ط مطبعة الموسوعات، مصر 1319ﻫ.
(4) – نسخة المكتبة الملكية بالرباط رقم 1910.
(5) – مصورة معهد مولاي الحسن بتطوان رقم 27 – ج 2 لوحة 91 ب.
(6) – مختصر الإحاطة السابق الذكر ج 2 ص 1377 ﻫ
(7) – ج 2 ص 183 ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر 1377 ﻫ
(8) – ج 1 ص 484 ط الأستانة 1311 ﻫ
(9) – ص 31 ط المطبعة الجديدة بفاس 1316 ﻫ
(10) – “نصح ملوك الإسلام” ص 31.
(11) – من مراجع ترجمته مختصر الإحاطة المطبوع باسم “الإحاطة” ج 2 ص 215/221 والتعريف بابن خلدون ص 64/65 ونين ابتهاج ص 266/ 267 وجذوة الاقتباس ص 197.
(12) – ج 7 ص 388.
(13) – انظر عن دولة الأشراف “العبر” ج 5 ص 453 /465.
(14) – انظر عن دولة الظاهر برقوق العبر ج 5 ص 473 /508 مع “الإعلام” للزركلي ج 2 ص 18/19.
(15) – ج 7 ص 148 /363.
(16) – ص 339/346.
(17) – أنظر عن هذه الفتنة “العبر” ج 5 ص 487 /505.
(18) – توجد ترجمته في “الضوء اللامع” ج 6 ص 223.
(19) – نسخة المكتبة الملكية بالرباط رقم 1248 ـ ج 1.
(20) – توجد ترجمته ومراجعها في “الأعلام” للزركلي ج 5 ص 340/341.
(21) – الرسالة المغربية ج 8 ص 103/106 والرسالة الشرقية ج 7 ص 407/411.
(22)- انظر عن فارح بن مهدي “الجذوة” ص 316/317 مع “الاستقصا” ج 2 ص 146.
(23) – في “التعريف بابن خلدون” ص 380 أورد المؤلف فصلا من رسالة كتبها إلى أبي سعيد الثني تيمورلنك.
(24) – لا شك أن هذا أحد أعيان الشعبة العراقية الشريفة الموجود أكثر فروعها بفاس، وهم حسينيون بالتصغير وما هنا من “الحسني” سبق: انظر ـ مثلا ـ “الدرر البهية” للفضيلي ج 236/239 ط فاس.
(25) – أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد الفزازي القلقشندي ثم القاهري المتوفى سنة 821/1418 توجد ترجمته وبعض مراجعها في الأعلام للزركلي ج 1 ص 172.
(26) – توجد إشارة لهذه الثورة في “التعريف بابن خلدون” ص 367.
(27) – في المصدر الأخير ص 365/357/380 حديث عن هذا الزحف التتري إلى الشام.
(28) – ج 2 ص 567.
(29) – انظر عن ترجمته وعصره “تاريخ ابن خلدون” ملحق الجزء الأول ص 132/158 ك المطبعة الرحمانية بمصر 1355/1936.
—————————————————–

(مجلة دعوة الحق، العدد السادس والسابع، السنة الثامنة: 1965م) نقلا عن موقع وزارة الأوقاف

اقرأ أيضا

الأزمة الروسية-التركية: محددات التاريخ والجغرافيا والتطلعات لأدوار جديدة

العلاقات التركية-الروسية: ثِقَل التاريخ ومحددات الجغرافيا العارفون بتاريخ العلاقات التركية-الروسية سيقرأون حادثة إسقاط الطائرة الروسية …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *