هل نشهد ثورة جزائرية نتيجة انخفاض أسعار النفط؟

تشهد أسعار النفط في الأسواق الدولية أدنى مستوى لها منذ سنوات، وهذا ما ينذر بعواقب اقتصادية كبيرة على الجزائر حكومة وشعباً. ويطرح هذا التراجع تحديات عدّة على اقتصاد الجزائر التي تعتمد موازنتها بشكل أساسي على عائدات البترول. إلا أن الحكومة الجزائرية تقول إن احتياطاتها من العملة الصعبة تكفي لسد أي عجز في النفقات خلال ثلاث سنوات كاملة.

وقال لرصيف22 الأستاذ أوهيب فتحي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة أبو بكر بلقايد في تلمسان: “إن انخفاض أسعار البترول يمكن أن يكون ميزة إيجابية لأنه سيدفع الجزائر إلى إعادة تنشيط القطاعات الأخرى والاستثمار فيها وإعادة هيكلتها، ولكن من جهة ثانية سيشكل ضربة قاسية للجزائر اذ يؤثر سلباً على المشاريع الكبرى خصوصاً السكن ومناصب الشغل”.

خطط امتصاص الغضب مهددة:

بإزاء هذا الواقع، اتخذت الحكومة الجزائرية مجموعة من الإجراءات التقشفية في النفقات العمومية التي تمس المواطن بصفة خاصة، والمرتبطة بموضوعي السكن والبطالة، علماً أن القطاع العام يوفّر نحو 60% من الوظائف.

يفرض انخفاض أسعار البترول على الحكومة الجزائرية مراجعة حساباتها ويضع الجهاز التنفيذي في ورطة حقيقية خصوصاً أن العائدات المالية من مبيعات النفط تشكل نحو 93.52% من مداخيل البلاد. وبالتالي فإنه سيؤثر على مجموعة من المشاريع الحكومية ذات الطابع الاجتماعي والتي تحتاج إلى أغلفة مالية كبيرة لتغطية كلفتها. وبرغم مساعي السلطات الجزائرية إلى طمأنه المواطنين على استمرارها بدعم أسعار المواد الاستهلاكية، هناك شكوك في قدرتها على الاستمرار في ذلك الإنفاق الذي توسعت فيه طوال السنوات الأربع الماضية، أي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، إضافة إلى زيادتها للأجور من أجل إبعاد المدّ الثوري عنها.

وقال الخبير السياسي، ونائب عميد كلية العلوم السياسية والقانون في جامعة تلمسان، الأستاذ بن صايم بونوار: “إن الأمر طبيعي جداً ومحسوس وحتمي للاقتصادات الريعية لأن الدور الاجتماعي للجزائر مبني فقط على أساس مداخيل البترول”.

وأضاف: “البرامج الخماسية السابقة قد توقفت عن العمل خلال العشرية السوداء حين كانت الدولة مشغولة فقط بإعادة الأمن إلى ربوع الوطن، وهذا ما خلق أزمة شملت مشاريع كثيرة، وبعدها استثمرت الجزائر فقط لتستهلك ولم تنهض بالقطاعات الأخرى”.

وقال المدير العام السابق لمؤسسة سونطراك الجزائرية وصاحب مكتب الدراسات في قطاع المحروقات عبد المجيد عطار، إن الجزائر مقبلة على أزمة اقتصادية حادة، وإنه ليست هناك إرادة سياسية للتخلص من التبعية الاقتصادية للبترول.

الرفاهية لن تستمر:

ويرى محللون اقتصاديون أنه إذا استمر التراجع في أسعار النفط في السنوات الثلاث المقبلة، فسيحدث اختلال بين المدخرات وحجم الانفاق الجزائري بصورته الحالية.

ويصفون الاقتصاد الراهن القائم على ريع البترول بأنه تمكن إلى حد ما من خلق رفاهية في عيش المواطنين وتحسين أوضاعهم الاجتماعية خاصة في ما يخص السكن وإنجاز الطرقات، إلا أن الجزائر لم تتمكن من إنشاء اقتصاد آخر موازٍ بعيد عن البترول.

وقال الأستاذ أوهيب فتحي: “حالياً، لا توجد مشاريع بديلة من أجل إنقاذ الاقتصاد الجزائري من الوضع، ولا توجد أيضاً مؤشرات لارتفاع أسعار البترول على المدى القريب”.

هكذا، ستجد الدولة نفسها مضطرة لمراجعة عامة للدعم الحكومي للأسعار وهو يغطي الحليب والغاز والكهرباء والإسكان، ويبلغ حجمه 30% من الناتج المحلي الإجمالي.

وحين يحصل ذلك، ستتراجع القدرة الشرائية بسبب ارتفاع التكاليف مقارنه بتراجع المداخيل.

وقال الأستاذ والخبير السياسي بن صايم بونوار: “لو كان اقتصاد الجزائر اقتصاداً متوازناً لما كان هنالك تأثر بهذا الانخفاض”. وتابع أن “التأثيرات ستكون مختلفة وعلى مستويات عدة، وننتظر قيام نقاش سياسي حقيقي حول البرامج الاقتصادية الجديدة التي من الممكن أن تعوض هذا النقص لإنعاش الاقتصاد الجزائري”.

الشعب لن يقبل رفع الدعم:

ويلفت مراقبون إلى أن أي تراجع سياسي جزائري عن سياسة دعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، لن يكون مقبولاً من غالبية الجزائريين وأغلبهم مصنّف تحت خط الفقر. ولو حصل فسيدخل البلاد في مرحلة اضطرابات أمنية كما حصل سنة 1986 حين انهارت أسعار النفط واقترب الاقتصاد من حافة الانهيار.

وقال الأستاذ بن صايم إن “انخفاض أسعار النفط يحرج الحكومات ويضعها في موقف يصعب التعامل معه. فالأحزاب والمعارضة تلقي باللوم على الحكومة الحالية عن عدم خلق اقتصاد تنافسي عندما كانت الجزائر مستقرة ومرتاحة وفي بحبوحة مالية”.

وأضاف: “على المعارضة أن تقوم بدورها وألا تكتفي بالنقد واللوم فقط وعليها تقديم برامج بديلة تنقد اقتصاد البلاد”.

ورأى المحلل الاقتصادي والأستاذ في جامعة ميلة منير حراق، أن انخفاض أسعار النفط يشكل مصدر قلق للجزائريين، وسيؤثر سلباً على آليات التشغيل المتاحة في الجزائر كالوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، والوكالة الوطنية لتسيير القروض الصغيرة والصندوق الوطني للتأمين على البطالة. فهذه المؤسسات وحدها استهلكت ما يقارب 132 مليار دينار جزائري (مليار و240 مليون دولار) من دون أن تنجح في تشغيل العاطلين عن العمل، لأن الهدف من إنشاء الحكومة لها لم يكن إحداث مناصب شغل حقيقة ودائمة بل كان من أجل شراء السلم الاجتماعي فحسب.

اقرأ أيضا

المغرب ودول إفريقيا وآسيا

ما هي الأبعاد الاستراتيجية للعلاقة بين المغرب ودول إفريقيا وآسيا ؟

خلال السنوات والأشهر الأخيرة، أحدث الملك محمد السادس نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بين المغرب ودول إفريقيا وآسيا كما يظهر ذلك مقال لجون أبي نادر.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *