بقلم: هيثم شلبي
تعودنا في الأدبيات العربية، والسياسية منها على وجه الخصوص، استخدام مصطلح “كبش الفداء”، وذلك لكثرة الأمثلة التي يعج بها تراثنا السياسي العربي قديما وحديثا، عن “أكباش” فداء، تم تحميلها جميع تبعات فشل تجربة ما، وتفضيل “حرقها” على مذبح بقاء واستمرار النظام المختل أصلا. هذه السمة الملاصقة للأنظمة الشمولية، نجدها في مجالات السياسة والاقتصاد والفن والرياضة وغيرها من مجالات العمل العام، بل وإن هذا التصور المختل تسرب إلى تصوراتنا الدينية، عندما نسبت الأحاديث المروية لرسولنا الكريم -زورا- قوله بأن هناك “يهوديا أو نصرانيا” مربوط أمام باب النار، سيتحمل جميع آثام المسلم، وبالتالي يفوز المسلم بالجنة، بعد أن قدم بين يدي حسابه ما أسمته المرويات: “فكاكه من النار”!!
مناسبة الحديث، القديم الجديد، يأتي مرافقا “للحظة الحقيقة” التي يعيشها النظام الجزائري، والتي تحتم عليه -كنظام- أن يدفع للشعب الجزائري “الفواتير” المتراكمة منذ الاستقلال “الصوري” عن فرنسا، دون إغفال الفواتير التي يتوجب عليه دفعها لجيرانه، وعلى رأسهم المغرب، ناهيك عن باقي شعوب المغرب الكبير. لحظة لم يعد أمام النظام فرصة للتعامل معها باستراتيجيته المعهودة في شراء الوقت أو تقديم رشوة هنا أو هناك، لأن ملف الصحراء الذي شكل العمود الفقري للمشروعية المزيفة لنظام الجنرالات منذ نصف قرن قد شارف على الإغلاق، وعليهم الإجابة على أسئلة الجزائريين الصعبة، بخصوص كم الخيرات المهدرة، والنهب والفساد وتضييع فرص ومواعيد التنمية، من أجل معاندة الوحدة الترابية المغربية، كوسيلة لتعطيل استرجاعها المكانة التي لطالما تمتعت بها “الإمبراطورية الشريفة” على مدى القرون السابقة.
ولأن صدور القرار المرتقب سيكون خلال ساعات، لم يعد أمام النظام بشقيه المدني والعسكري سوى فرصة يتيمة، تتمثل في إقناع الجزائريين بأن هذه “الكارثة” هي نتيجة الإدارة الكارثية للرئيس عبد المجيد تبون، مقابل فريق آخر يحملها لرأس النظام الفعلي الجنرال السعيد شنقريحة، دون أن يتساءل أحد في الفريقين حول مدى مشروعية المعركة التي يتخاصمون حول المسؤولية عن خسارتها: هل كان العداء للمغرب معركة مشروعة تستحق كل هذه الأثمان، بعيدا عن النصر أو الخسارة فيها؟!
وبدا لافتا أن الجنرال شنقريحة قد اختار القيام بزيارة طويلة إلى كوريا الجنوبية من أجل حضور “معرض” للمعدات العسكرية!! دون أن يلتفت إلى النيران التي تضطرم في بيت النظام الجزائري نفسه، والتي من شأنها حرق المنزل بسكانه، بحيث لا يبقى مجالا لشراء سلاح من كوريا أو سواها. نفس الأمر ينطبق على الرئيس تبون الذي آثر الانشغال بإصدار قرارين أولهما عزل مستشاره القوي بوعلام بوعلام عن ملفات البحث والتعيين، وحصره في دور مدير الديوان، وثانيهما الأمر بإنشاء “أكاديمية تبون لكرة القدم” على غرار أكاديمية الملك محمد السادس، علما بأنه يدرك أكثر من غيره بأنه لن يكون في منصبه- إن كان حيا أصلا- قبل أن يرى ثمرات هذا المشروع، إن كان سيثمر أي شيء!!
وهكذا، تحبس بلاد الجنرالات أنفاسها على وقع خيارات محدودة، سيشكل كلا منها زلزالا بحد ذاته: الإطاحة بالرئيس تبون لأي سبب كان؛ الإطاحة بالجنرال شنقريحة ومحاولة إبقاء جميع الخيوط في يد المؤسسة العسكرية؛ الإطاحة بالرجلين معا من طرف “حركة تصحيحية” في الجيش على أمل استطاعة النظام العسكري الإيحاء بوجود مؤسسة عسكرية جديدة؛ أو خروج الجزائريين للشارع “لكنس” هذا النظام برمته ورموزه، مدنية وعسكرية، بل وأحزاب معارضة وموالاة، لأن المنظومة نفسها هي فاسدة فسادا لا يرجى شفاؤه، ولن يكون الحل السهل متاحا، بتحميل تبعات الفشل “لكبش فداء” من وزن تبون أو فصيلة شنقريحة!!
كخلاصة، لن يكون مفاجئا أن تحمل الساعات المقبلة خبر إقالة أو هرب أي من الرئيس تبون أو الجنرال شنقريحة؛ بل إن المنطقي توقع أن ساعة الهروب الكبير قد أزفت، وأن الجنرال ناصر الجن -ولا حتى خليفته الجنرال حسان- لن يكون آخر القافزين من مركب النظام الغارق، وبالتالي ستتوالى الأخبار المثيرة من داخل بيت العسكر، حتى لو افترضنا جدلا بأن الجنرالات سيتلقفون “طوق النجاة” الأمريكي الذي ألقى به إليهم ستيف ويتكوف مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقبلوا إبرام اتفاق صلح أو سلام مع المغرب، لأن العرض الأمريكي جاء متأخرا جدا، مثله مثل الاستجابة الجزائرية!! وعليه، ننتظر فقط معرفة شكل نهاية النظام، دون أن يساورنا أدنى شك في أن هذه النهاية هي قاب قوسين أو أدنى، ولن تستطيع قوة على وجه الأرض أن تمد في عمر هذا النظام حتى بضعة أشهر، لأنه ميت منذ سنوات، ولم يعد منتظرا سوى دفنه!
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير