تزايد الدعوات لتجديد الحراك الشعبي في الجزائر.. ما بين إصرار النشطاء وتوتر النظام!

بقلم: هيثم شلبي

بعد أن تمت الدعوة سابقا وفي مناسبتين (8 أغسطس و 8 سبتمبر) عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتجديد الحراك الشعبي في الجزائر، ومطالبة النشطاء الذين تولوا الدعوة بنزول الجزائريين بكثافة إلى الشوارع، بعد أن ثبت بالبرهان أن هذا النظام لم يحمل أي تغيير يذكر عن سابقه الذي خرجوا ضده ربيع 2019، وأن مشاكل الجزائر تستمر في التفاقم مما يقلص من مساحة الأمل بإحداث النظام الحالي أي تغيير، تجددت الدعوة للنزول إلى الشارع مرة أخرى يوم الجمعة 3 أكتوبر، وذلك على لسان المعارض الجزائري محمد العربي زيتوت هذه المرة، دون أن يتضح مدى تجاوب باقي النشطاء معها.

هذه الدعوة لتجديد الحراك الشعبي التي أصبحت تتكرر بشكل شهري تقريبا، ومن أطراف لا يربط بينها سوى تأييدها للتجربة السابقة، ووقوفها ضد النظام العسكري الحاكم في الجزائر، وعدم تصديقها لكل الدعاية التي يروجها النظام حول الجزائر الجديدة، مكة الثوار، والقوة الضاربة في القارة الأفريقية؛ نقول أن هذه الدعوات وإن لم تنجح في التحول إلى واقع، فإن من شأن تكرارها أن يخلق هذا الواقع، القابل للانفجار عند أي شرارة تتطاير نتيجة أحد أخطاء النظام الحالي، وهو ما يفسر سبب رعب النظام منها، وقيامه “بإنزال عسكري” في العاصمة الجزائر، وغيرها من كبريات المدن الجزائرية، في كل موعد جديد يضربه النشطاء لهذا الحراك المنتظر؛ وهو ما سيتكرر قطعا قبل موعد الثالث من أكتوبر المقبل بيوم أو يومين. الجديد في دعوة أكتوبر أن زيتوت ومن يناصر دعوته تركوا التوقيت مفتوحا، حيث إذا نجح النظام في إجهاض الموعد الأول سيقومون بإعادة الكرة في الجمعة الموالية 10 أكتوبر، وبعدها 17 أكتوبر وهكذا، بل إن الحديث يدور عن عدم اشتراط يوم الجمعة لإشعال فتيل الحراك، بل يمكن للنشطاء على الأرض اختيار أي من أيام الأسبوع موعدا لإطلاق حراكهم المنشود.

وتبدو أسباب تجدد الدعوات لإعادة إحراك الحراك الشعبي أكثر من مفهومة، بل وبديهية، ليس فقط بسبب فضيحة غرق حافلة جسر وادي الحراش بالجزائر العاصمة، التي خلفت أزيد من 18 قتيلا؛ ولا بسبب تزايد الهجرة السرية من “ثالث أكبر اقتصاد في أفريقيا” -بل وتبوأت مركز الصدارة خلال الشهور الستة الأولى من العام الحالي!!- وآخر حوادثها ما تمثل في هجرة 7 قاصرين (14-17 عاما) في قارب ترفيهي إلى الفردوس الإسباني؛ بل بسبب الأزمات المتعاقبة التي لم ينجح النظام الوريث لنظام بوتفليقة في حل أي منها، رغم دعايته التي لا يصدقها أحد من الجزائريين. العطش وزيادة البطالة وحرائق الغابات وطوابير المواد الأساسية وعشرات الظواهر السلبية غيرها، لا تترك مجالا كبيرا للجزائريين في التردد، باستثناء الخوف من مستوى القمع الذي قد تواجههم فيه القوات الأمنية والعسكرية تحت حكم الجنرال شنقريحة، أحد أبرز مجرمي العشرية السوداء وفق شهادات عشرات النشطاء الذين عاشروا الاحداث. وبالتالي، فالخشية حقيقية من أن تجدد الحراك الشعبي سيدفع شنقريحة وزمرته من الجنرالات إلى تجديد العشرية السوداء، لأنهم يخوضون معركة “مصير” بالمعنى الحرفي للكلمة؛ اللهم إلا إذا اعتبر الجنرالات المتربصون بشنقريحة أنها فرصتهم الذهبية للتخلص منه، دون ان يملك أحد الرغبة في الدفاع عنه.

ورغم دأب الإعلام الحكومي الدعائي على التقليل من أهمية هذه الدعوات المتكررة لتجديد الحراك الشعبي، فإن الحشود العسكرية التي تزدحم بها شوارع الجزائر العاصمة كل مرة، تجعلنا نرجح أن النظام أبعد ما يكون عن الاستخفاف بهذه الدعوات، وأنه يأخذ احتمالات نجاح تجدد هذا الحراك على محمل الجد، وهو السبب الذي يقف وراء الزج بعشرات النشطاء في السجون، في كل مرة تتجدد فيها هذه الدعوات. فالنظام العسكري في الجزائر يدرك، بأن أي تجدد للحراك الشعبي (في أي بلد عربي شهد حراكا شعبيا خلال الربيع العربي، وليس فقط الجزائر) لن يتوقف قبل أن يحدث تغييرات عميقة هذه المرة، وتحديدا في بنية علاقة الجيش بالسلطة السياسية في جميع هذه الدول، مستفيدين من دروس التجربة الفاشلة التي عرفتها الموجة الأولى. وعليه، تدرك قيادة الجيش دون أدنى أوهام، بأنها الهدف الأول للحراك الشعبي في حال تجدده، وأن معظم قادة أجهزتها سيجدون أنفسهم في السجن، مع تمكن قلة من الهرب، وأخرى سيتم الاكتفاء بإحالتها إلى التقاعد، مما ينهي نهب المؤسسة العسكرية لموارد الدولة دون حسيب أو رقيب، وينهي تحكمها بمفاصل الحكم في الجزائر منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا وحتى اليوم، ويمهد لقدوم جيش مهني محترف لا يغادر ثكناته، ويكتفي بأداء مهمته الأساسية، وهي الحفاظ على حدود الوطن وأمنه.

كخلاصة، فسواء نجحت دعوات تجديد الحراك الشعبي مطلع أكتوبر المقبل أم في أحد أيام الجمعة الموالية، أو اختارت مفاجئة قوات الأمن بالنزول خلال أحد أيام الأسبوع من غير الجمعة، فإن توتر النظام ينبع من قناعته بعجزه عن علاج الأسباب الموضوعية لهذا الحراك، وبالتالي قناعته بأن تجدد هذا الحراك الشعبي ما هو إلا مسألة وقت، لن يطول على الأغلب، لاسيما مع تعدد الجهات المنضوية تحت راية هذا الحراك الشعبي. إن نزول الألف الأول من الجزائريين سرعان ما يقود إلى وجود المليون؛ والوصول إلى المليون سيتضاعف في زمن قياسي إلى عشرة أمثاله، مما يجعل حلم النظام بالنجاح في إيقافه مرهونا مرة أخرى بانتشار وباء عالمي يجلس الناس في بيوتهم!! إذ بدون هذا الوباء، لن يعود الجزائريون إلى منازلهم قبل وضع آخر مسؤول في نظامهم داخل السجن!!