لماذا يخاف النظام العسكري في الجزائر من التاريخ؟!!

بقلم: هيثم شلبي

كما كان متوقعا، تم تثبيت حكم السجن لمدة خمس سنوات في حق الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، وهي نفس العقوبة التي صدرت في حق المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث. نفس التهمة تقريبا وجهت إلى الصحفي الرياضي الفرنسي كريستوف غليز، وصدر بحقه قبل أيام حكما بالسجن لمدة سبع سنوات! ولو نظرنا إلى ما يجمع هذه القضايا فسنجد ببساطة أنهم توبعوا وصدرت بحقهم تهما بالحبس، لأنهم قدموا روايات “تاريخية” تناقض الرواية “ألرسمية” الجزائرية! فلماذا كل هذا الهلع الذي ينتاب النظام الجزائري، عند صدور آراء تخالف المتعارف عليه في بلاد الجنرالات؟!

من الواضح أن الأحكام القاسية بالسجن، في مواجهة “آراء” وقراءات تاريخية للأحداث التي عاشتها وتعيشها الجزائر، يظهر حالة من الرعب تجاه أي رواية لا تنسجم مع الرواية الرسمية التي درج النظام العسكري وإعلامه على ترديدها، لدرجة ترفعها إلى مصاف “المعلوم من الدين بالضرورة”، وتخرج من يخالفها من “الصف الوطني”، وتجيز التعامل معه “كخائن” لمكة الثوار. وبعيدا عن الخوض في حيثيات الآراء التي عبر عنها كل من المحكومين أعلاه، والذين لا يربط بينهم رابط كما هو واضح، فالأول كاتب، بينما الثاني مؤرخ، أما الثالث فصحفي مختص بالشأن الرياضي!! نجد أن آراءهم التي عبروا عنها لا تشترك سوى في مخالفتها للرأي الرسمي الذي لا يسمح النظام العسكري بالخروج عليه او مخالفته بأي طريقة كانت.

إن التاريخ كما هو معلوم -اللهم إلا عند النظام الجزائري- مفتوح أمام تعدد القراءات. بل إن قراءة الأحداث الجارية حاليا، يندر أن تجدها موحدة خلف قراءة محددة، فما بالك بأحداث تتفاوت في قدمها!! وبخصوص تاريخ الجزائر تحديدا، فلا يوجد اتفاق على أي حدث في هذا التاريخ. فلا يوجد اتفاق حول “ثورة” الأمير عبد القادر الجزائري، الذي يراه البعض بطلا قوميا بينما يراه آخرون “عميلا” فرنسيا؛ كما لا يوجد اتفاق على ما جرى في “مؤتمر الصومام”، ولا على وقائع الثورة الجزائرية، ولا اتفاقية إيفيان التي نال الجزائر استقلاله “المفترض” عن فرنسا نتيجة لها؛ وقس على ذلك عدد شهداء هذه الثورة العظيمة ولا ما جرى خلال “العشرية السوداء”، والموقف من قضية القبايل، وباقي التفاصيل الخاصة بهذا البلد قديما وحديثا، فلماذا تتم متابعة أي “رأي” يخالف الرواية الرسمية لكل ما جرى ويجري في هذا البلد المنكوب بنظامه، عكس ما هو جار في باقي بقاع الأرض؟!

ولو وسعنا الدائرة أكثر، فلا يوجد اتفاق على أي حدث في العالم أصلا، وهناك دائما من يرفض الرواية “السائدة” بدءا من خلق آدم، مرورا بتاريخ الأنبياء والرسل، وسيرة نبينا الكريم نفسه، وصولا إلى كل الأحداث السياسية التي مرت بها منطقتنا العربية، بل وباقي دول العالم. فلماذا تعتبر الروايات والآراء المخالفة، حقا مشروعا لجميع المفكرين والمؤرخين والكتاب في العالم، بينما تعتبر في الجزائر جريمة يعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات سجنا نافذا؟!!

لعل أبرز إجابة تتبادر إلى الذهن ردا على هذا التساؤل الصارخ، هي مدى “الهشاشة” التي تطبع “الشرعية” المفترضة لهذا النظام. أما التحجج بكون الروايات والقراءات المخالفة تضرب “الوحدة الوطنية” فهي لعمري عذر أقبح من ذنب؛ فما هي صلابة مجتمع موحد يمكن لرأي مخالف أن يهدم هذه الوحدة الوطنية، ويدمر اللحمة المجتمعية التي يتمتع بها هذا البلد العريق والرائد في محيطه؟! بكلام أوضح، فإن الوحدة الوطنية لأي مجتمع أو بلد التي لا تصمد أمام رأي مخالف، هي وحدة “مفترضة” لا تقوم على أساس حقيقي.

ثاني التبريرات لسلوك هذا النظام العسكري الفاقد للمشروعية، تؤكد على ما هو معلوم للجميع، بأن الجزائر محكومة بنظام عسكري مغلق، لا يقبل نقاشا ولا يتيح مجالا لأي تعدد للآراء، وبالتالي، يجب أن يواجه كل رأي مخالف للرواية الرسمية، حتى في المجال الاقتصادي أو الرياضي أو السياسي، بقمع شرس، يمنع من يفكر بالتغريد خارج سرب النظام، ويجرؤ على تحدي سلطة الجنرالات في هذا البلد المحكوم عسكريا منذ الاستقلال. إن عقيدة الأنظمة العسكرية، والجزائر واحدة من أواخرها، تؤمن بقمع أي سابقة يمكنها أن تشجع أصواتا أخرى على “التجرؤ” على التفكير بشكل مستقل، وبالتالي التعبير عن آراء تخالف الرواية الرسمية، أيا كانت درجة خطورة هذه الآراء وانعكاساتها الحقيقية على حياة الناس.

إن نظاما أشهر إفلاسه منذ زمن بعيد، وعجزه بالتالي عن تلبية أي من مطالب الجزائريين المشروعة في حياة كريمة، سيختار بالضرورة استراتيجيتين لا ثالث لهما: أولها التغني بالتاريخ، والعيش على رصيد “الثورة” بعد قرابة سبعة عقود من قيامها، واجترار أدبيات التحرر والاستعمار والوفاء لدماء الشهداء وغيرها من الأسطوانات التي لا تقدم للجزائريين الواقفين في طوابير المواد الأساسية أي جواب على مطالبهم الحياتية؛ وثانيها الضرب بيد من حديد على كل من يجرؤ على مخالفة الرواية الرسمية في أي مجال يهم حياة الناس، وتحديدا السياسة. بل إن “وقاحة” هذا النظام العسكري الفاجر بلغت حدا منعت بشكل قانوني من يفترض أنهم نواب الامة في البرلمان، من مناقشة كل ما له علاقة بالمؤسسة العسكرية أو السياسة الخارجية، وهو قانون تنفرد به الجزائر دون باقي دول الكرة الأرضية!!

كخلاصة، فإن هذا الهلع من التاريخ تحديدا، ومن أي نقاش حر لأي شأن حياتي يهم الجزائريين بشكل عام، هو الوسيلة الأخيرة لهذا النظام العسكري المتهالك لشراء مزيد من الوقت، لإطالة عمر النظام، على أمل تجنيبه مصيره المحتوم. لأنه بالنسبة لجنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، فإن السماح بسابقة واحدة يتم فيها التغاضي عن رأي مخالف لأي رواية رسمية، سيجر سريعا مزيدا من الآراء المختلفة في باقي الأمور الخاصة بالشأن العام الجزائري، وتشجع الجزائريين على التفكير خارج الخط المرسوم لهم، وبالتالي التعجيل بنهاية النظام!

اقرأ أيضا

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

لإنقاذه من 7 سنوات بسحن الجزائر.. عائلة الصحافي الفرنسي غليز تنسق مع منظمات دولية

أعرب أقرباء الصحافي الرياضي الفرنسي كريستوف غليز، أمس الخميس، عن أملهم في أن يصدر الرئيس الجزائري عفوا عنه بعد تأكيد محكمة استئناف حكم السجن سبع سنوات الصادر بحقه، فيما وعد قصر الإليزيه بمواصلة “العمل” حتى إطلاق سراحه.

Douzi

الدوزي يشوق الجمهور لعمله الجديد

يستعد الفنان المغربي عبد الحفيظ الدوزي، خلال الأيام القادمة، لطرح أغنية جديدة، وفق ما كشف …

السلطات البريطانية تفرج عن 91 سجيناً بالخطأ!

تواجه الحكومة البريطانية ضغوطاً متزايدة بعد إطلاق سراح أكثر من 90 سجيناً عن طريق الخطأ، …