الدبلوماسية البرلمانية المغربية تنجح في هدم معاقل الانفصال بأمريكا اللاتينية والكراييب وتُفاقم عزلة النظام الجزائري

إعداد: عبد اللطيف الصلحي وهند رزقي

أمريكا اللاتينية والوسطى والكراييب، فضاءات جيوستراتيجية هامة اخترقتها الدبلوماسية البرلمانية المغربية بهدوء وتعقل، بعدما كانت بالأمس القريب معاقل للأطروحة الانفصالية بسبب الإرث الإيديولوجي التقليدي.

المؤسسة التشريعية، خاضت خلال السنوات الأخيرة معركة هادئة لكنها حاسمة دفاعاً عن القضية الوطنية، ونجحت وفق رؤية ملكية مُتبصّرة، في تليين وتحييد مواقف برلمانات مجموعة من الدول بأمريكا اللاتينية والوسطى والكراييب حول قضية الصحراء المغربية، ما يزيد من قوة الموقف التفاوضي للمغرب في النزاع المفتعل.

وباتت الدبلوماسية البرلمانية المغربية تضطلع بأدوار ما فتئت تزداد أهمية على مستوى الدفاع عن قضية الوحدة الترابية، إذ سحبت البساط من ميليشيا جبهة “البوليساريو” الانفصالية بقلب القارة؛ بعد أن هدمت جدار النفوذ الجزائري ونسفت مخططاته مُتسلّحة برصيد تاريخي من العلاقات المتينة، وشرعية قانونية راسخة.

كيف حاصرت الدبلوماسية البرلمانية المغربية الدعاية الانفصالية بأمريكا اللاتينية والوسطى والكراييب؟. موقع “مشاهد24” يكشف من خلال تصريحات برلمانيين وخبراء وأكاديميين “كلمة السر” التي حوّلت الدبلوماسية البرلمانية إلى أداة فعّالة للدفاع عن القضية الوطنية.

زخم كبير

بعد أن وعى المغرب بضرورة تنشيط العمل الدبلوماسي لمؤسسته التشريعية تراجعت الأطروحة الانفصالية في أمريكا اللاتينية بشكل مُلفت للانتباه؛ حيث تصدّى نواب الأمة من مختلف الأحزاب للأطروحات المُغْرضة التي تروجها الجزائر بجنون في جلّ المحافل.

وأثمرت مجهودات الدبلوماسية البرلمانية مجموعة من المنجزات اللافتة – أثارت حنق الخصوم- تتمثل في إعلان مجلس الشيوخ في باراغواي شهر نونبر 2024 دعمه للمبادرة المغربية للحكم الذاتي بالصحراء، التي “تعد الأساس الوحيد الجدّي وذي المصداقية لحل نهائي في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية”، مع توجيه الدعوة لحكومة بلاده إلى تبني نفس الموقف.

بدورها، التحقت بنما يوم الخميس 21 نونبر 2024 بركب الدول التي قررت تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع “الجمهورية الصحراوية” الوهمية، وهو الخبر الذي نزل كالصاعقة على النظام العسكري الجزائري.

وتُعد بنما أول بلد في أمريكا اللاتينية قام بالاعتراف بـ”الجمهورية الصحراوية” الوهمية.

وقبل بنما، أبلغت دولة الإكوادور، الخارجية المغربية، بقرار كيتو العاصمة تعليق اعترافها بالكيان الوهمي، الذي كانت اعترفت به وفتحت تمثيلية له على أراضيها.

وكان رئيس مجلس الشيوخ البرازيلي، رودريغو باتشيكو، الذي قام بزيارة رسمية للمملكة، يوم الاثنين 14 أكتوبر 2024، أكد في تصريحات صحفية أن “السياسة التي ينهجها المغرب بشأن قضية الصحراء تتسم بالجدية”.

واعتمد مجلس الشيوخ البرازيلي في يونيو 2023 ملتمسا لدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء، داعيا إلى دعم “أكثر تعبيرا” للجهود “الجادة وذي المصداقية” للمملكة بحثاً عن حل لهذا النزاع الإقليمي.

وفي نفس السياق، حظيت المبادرة المغربية للحكم الذاتي للصحراء، التي قدمها المغرب سنة 2007 لحل النزاع المفتعل حول أقاليمه الجنوبية، بإجماع على دعمها من قبل مجلس الشيوخ الشيلي.

وقد صادق مجلس الشيوخ الشيلي شهر يناير 2025 بالإجماع على قرار “يبرز دعمه للمبادرة المغربية للتفاوض بشأن الحكم الذاتي في منطقة الصحراء، كحل سلمي ونهائي ومستدام” لهذا النزاع.

كما يدعو القرار إلى “دعم والتزام دائم من قبل الحكومة الشيلية، بصفتها عضوا في منظمة الأمم المتحدة، لصالح قرار مجلس الأمن رقم 1754 الصادر في 30 أبريل 2007”.

بدورها، أكدت نائبة وزير الشؤون الخارجية لغواتيمالا، مونيكا بولانوس، يوم الثلاثاء 4 فبراير 2025 بالرباط، أن بلادها “تعتبر أن مخطط الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب في سنة 2007، يعد أساسا واقعيا، موثوقا به وجادا، للتوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع في إطار احترام الوحدة الترابية للمملكة وسيادتها الوطنية”.

ويوم الـ14 فبراير 2025 جدد رئيس الكونغرس الكولومبي، السيناتور إيفراين سيبيدا، دعم هذه الهيئة التشريعية للمغرب في قضية الصحراء، مشددا على أهمية تعزيز العلاقات التجارية مع المملكة.

وذكر، في هذا السياق، بأن “اعتراف” السلطة التنفيذية الكولومبية بـ(البوليساريو) “رفضه أكثر من 70 في المائة من أعضاء مجلس الشيوخ بالجمهورية”، وذلك في ملتمس تم اعتماده في نونبر 2023.

وفي نفس السياق، حثّ الكونغرس البيروفي، يوم الاثنين 17 مارس 2025، وزارة الشؤون الخارجية بالبيرو على التعبير عن “دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي بالصحراء، والإقرار بجدواها ومصداقيتها باعتبارها الأساس الصلب الوحيد للحل النهائي لهذا النزاع”.

كما طالب الكونغرس البيروفي، أيضا، في مذكرة تم اعتمادها بأغلبية ساحقة، وزارة خارجية بلاده بـ”دعوة المجتمع الدولي، باسم بيرو، لدعم هذه المبادرة، من خلال تعزيز الحوار والتعاون كآليتين أساسيتين لحل هذا النزاع بشكل نهائي”.

ويرى مراقبون أن مواقف دول أمريكا اللاتينية إزاء قضية الصحراء المغربية، يمكن اعتبارها رسالة واضحة للخصوم؛ مفادها أن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية “يشكل الحل السياسي الوحيد والأوحد” لهذا النزاع الإقليمي المفتعل.

 

مسار النجاح

قبل سنوات؛ وعندما كنت أقدم نفسي كصحراوي في أمريكا اللاتينية كانوا يظنون أنني من “البوليساريو”.. لكن اليوم تغيّرت هذه العقلية بعد أن حُوصرت الدعاية الانفصالية في هذا الفضاء الجيوسياسي الهام، واستوعبت فئة واسعة من شعوب المنطقة أن 80 بالمائة من الصحراويين موجودين بالأقاليم الجنوبية العزيزة”. يقول أحمد الخريف، مستشار برلماني ممثل مجلس المستشارين بأمريكا اللاتينية.

واستطرد الخريف في تصريح لـ”مشاهد24″، أن ذلك لم يأت بمحض الصدفة، وإنما بتظافر جهود الدبلوماسية الرسمية والموازية، مشيراً إلى أن الدبلوماسية البرلمانية، نجحت وفق رؤية ملكية مُتبصّرة، خلال السنوات الأخيرة، في كسب مواقف برلمانات مجموعة من الدول في أمريكا اللاتينية والوسطى والكراييب لصالح قضية الصحراء المغربية.

وزاد موضحاً “منذ الزيارة الميمونة الأولى التي قام بها الملك محمد السادس إلى بعض دول أمريكا اللاتينية سنة 2004 في إطار جولة ملكية كانت قد شملت خمسة بلدان: (المكسيك والبرازيل والبيرو والشيلي والأرجنتين)، تم تحقيق اختراقات غير مسبوقة لصالح الوحدة الترابية”، مشدداً على أن الدبلوماسية البرلمانية “لعبت منذ تلك الفترة دورًا جباراً لإقناع برلمانات أمريكا اللاتينية والوسطى والكراييب بعدالة قضية الصحراء المغربية”.

وأكد المستشار البرلماني أن هذه المجهودات تُوجت بمنح المغرب صفة عضو ملاحظ في جميع المؤسسات البرلمانية من قبيل: برلمان أمريكا اللاتينية والكراييب (برلاتينو)، وبرلمان أمريكا الوسطى (البرلاسين)، والبرلمان الأنديني، إلى جانب مصادقة منتدى رؤساء ورئيسات المؤسسات التشريعية بأمريكا الوسطى والكارييب والمكسيك (الفوبريل) بالإجماع على قرار منح البرلمان المغربي صفة “شريك متقدم”، وغيرها.

وبيّن المتحدث أن أعضاء هذه البرلمانات قاموا بزيارات إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة في أكثر من مناسبة، وشاهدوا بأعينهم النقلة التنموية التي تم تحقيقها، كما تأكدوا بأن الأسطوانة المشروخة التي تُروجها الجزائر وأبواقها الإعلامية تفتقد للمصداقية.

وسجّل المستشار البرلماني، أن الجهود الكبيرة التي تبذلها مؤسسة البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب، ومجلس المستشارين)، بالموازاة مع عمل الدبلوماسية الرسمية وفق رؤية ملكية مُتبصّرة، أفضت إلى سحب عدد كبير من بلدان أمريكا اللاتينية اعترافاتها بـ”الجمهورية الصحراوية” الوهمية، في المقابل تزايد الدعم لفائدة المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره “حلاًّ جدياً وموثوقاً وواقعياً”.

ولطالما اعتُبرت أمريكا اللاتينية معقلاً للمشروع الانفصالي، بسبب الإرث الإيديولوجي التقليدي. قبل أن يستدرك المتحدث “لقد تولّدت قناعة جديدة في هذا الفضاء الجيوسياسي والذي يتسم بخصوصية كبيرة غيّرت المعطيات والمفاهيم لصالح المغرب”.

تنامي دور الدبلوماسية البرلمانية

قالت سلمى بنعزيز، رئيسة لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية وشؤون الهجرة والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب، إن الدبلوماسية البرلمانية أصبحت رافدا أساسيا للدبلوماسية الرسمية، من خلال تنامي دورها في الدفاع عن القضايا الوطنية وتعزيز التعاون الدولي.

وسجلت بنعزيز ضمن تصريح لـ”مشاهد24″، أن الدبلوماسية البرلمانية انخرطت خلال السنوات الأخيرة في توجه المملكة المغربية إلى تعزيز حضورها بأمريكا اللاتينية والكراييب، نظرا لما تتميز به المنطقة من ثقل دبلوماسي داخل الهيئات الأممية وكذلك للفرص الاقتصادية المتاحة بها.

وتابعت موضحة “الزيارة الملكية لمجموعة من الدول القوية بالمنطقة، عبدت الطريق ثم جاءت بعد ذلك زيارات من قبل ممثلي الدبلوماسية الرسمية وزيارات قادها برلمانيون”، قبل أن تستدرك “حققنا تراكما إيجابيا على مستوى التعاون والتنسيق”.

وأكدت رئيسة لجنة الخارجية في هذا السياق، أن قضية الوحدة الترابية تعتلي قائمة الأولويات في كل تعاون مع ممثلي المؤسسات التشريعية عبر العالم، حيث يتم شرح أبعاد القضية وخلفياتها السياسية بما يشمل تصحيح المغالطات التي يروجها الخصوم وتقديم الحقائق التاريخية.

وأضافت أن الدبلوماسية البرلمانية تعمل سواء من خلال مجموعات الصداقة أو الوفود المشاركة بمحافل تهم منطقة أمريكا اللاتينية والكراييب وكذا تمثيلية البرلمان المغربي ببرلمان أمريكا الوسطى وبرلمان دول الأنديز، على إيصال صوت المملكة والقارة.

ولفتت إلى أن الدبلوماسية البرلمانية تحمل على عاتقها إبراز الدور الهام الذي يضطلع به المغرب في دعم الأمن والاستقرار القاري والإقليمي، مردفة “دور المغرب على هذا المستوى يدرس فالأمر يتعلق بتجربة رائدة الكل يعترف بها في المنتظم الدولي”.

وسطرت بنعزيز على أن تكامل عمل الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية، في تنزيل رؤية ملكية متبصرة محكمة، أفرز زخما ملموسا على أرض الواقع تحفظه صفحات تقارير مجلس الأمن.

وأبرزت أن التقرير الأخير للمجلس الأممي، تطرق إلى مظاهر الزخم الذي عرفته قضية الصحراء المغربية، على غرار انضمام بنما إلى قائمة الدول التي علقت علاقاتها مع جبهة “البوليساريو” الانفصالية ودعمها للجهود الأممية من أجل الوصول إلى حل سلمي عادل، بعدما كانت أول دولة بالمنطقة تعترف بالكيان الوهمي سنة 1978، وأيضا سحب الإكوادور اعترافها بهذا الأخير، مطالبة مجلس الشيوخ بالباراغواي حكومة بلاده بدعم مخطط الحكم الذاتي بالصحراء المغربية.

وشددت على أن هذا الزخم الملموس والظاهر للعالم، يجسد ما أكده الملك محمد السادس، في خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة حين قال “القضايا العادلة تنتصر دائما”.

سُبل تطوير الدبلوماسية البرلمانية

وفي قراءته لهذا الزخم الذي يطبع أداء المؤسسة التشريعية في مجال الدبلوماسية البرلمانية، قال جمال كريمي بنشقرون عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية الرئيس السابق لمجموعة الصداقة البرلمانية المغربية – المكسيكية، إن الدبلوماسية البرلمانية جزء لا يتجزأ من الدبلوماسية الموازية بما يتماشى مع الرؤية الملكية التي توجه العمل الدبلوماسي والسياسة الخارجية للبلاد.

وأشاد بنشقرون في تصريح لـ”مشاهد24″، بالتراكم الذي حققه البرلمان المغربي بمجلسيه على صعيد الترافع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة، مشيراً إلى أن الدبلوماسية البرلمانية باتت تضطلع بأدوار ما فتئت تزداد أهمية في ظل دخول القضية الوطنية الأمتار الأخيرة.

ونوّه الرئيس السابق لمجموعة الصداقة البرلمانية المغربية – المكسيكية، إلى أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تمكنت من محاصرة الدعاية الانفصالية في أمريكا اللاتينية. لافتاً أن مؤسسة البرلمان المغربي بغرفتيه في تواصل دائم مع برلمانات أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى والكارييب، إذ ساهم شرحها لمواقف المملكة والحق التاريخي والإنساني والحضاري على كل أراضيها في كسب أوراق عديدة.

وعن سبل تطوير الدبلوماسية البرلمانية وتعزيز فعاليتها في أمريكا اللاتينية باعتبارها منطقة حساسة، دعا النائب البرلماني السابق، إلى تعزيز تكوين نواب الأمة في مجال العلاقات الدولية وتزويدهم بالمعطيات الكفيلة بالترافع عن الوحدة الترابية للمملكة، داعياً إلى تسريع جهود إقناع الدول بعدالة الطرح المغربي ومصداقيته.

واعتبر المتحدث، أن الأحزاب المغربية وخاصة الاشتراكية “لعبت دوراً هاماً في التعريف بالقضية الوطنية بعدة ملتقيات نسائية وشبابية وحزبية والدفاع عنها ودحض مزاعم أعداء الوطن”.

تحول استراتيجي تقوده المؤسسة التشريعية

أكد الدكتور محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض في مراكش، أن المملكة المغربية تنفرد في محيطها القاري والمتوسطي والدولي بعلاقات متميزة ضاربة في التاريخ مبنية على التعايش السلمي وحسن الجوار وقيم التعاون من أجل بناء مصالح مشتركة، مشيراً إلى أنه انطلاقا من هذه الإرادة بأهمية التعاون الدولي وضرورة النهوض به تم تضمين الأسس والمبادئ والمرتكزات التي تقوم عليها السياسة الخارجية للمملكة في تصدير الدستور المغربي 2011.

وضمن تصريح لـ”مشاهد24″، أضاف الدكالي أن فعالية السياسة الخارجية للدول تتحقق بوجود أنماط عديدة من الدبلوماسية؛ تشتغل جنباً إلى جنب مع الدبلوماسية الرسمية لتمثيل الدولة وتعزيز حضورها وإشعاعها في الملتقيات والندوات والمؤتمرات الدولية، مسجلا أنه في هذا الصدد يندرج الدور المنوط بالمؤسسات الوطنية وعلى رأسها المؤسسة التشريعية وأهمية إشراكها في السياسة الخارجية بوصفها المعبر عن الإرادة الشعبية.

وبعدما سطّر على أهمية الدور الذي يلعبه البرلمان المغربي بغرفتيه على المستوى الدبلوماسي كشريك فعّال وداعم للجهود الدبلوماسية الرسمية التي تضطلع بها وزارة الخارجية، شدد الأستاذ الجامعي على كون الدبلوماسية البرلمانية ورقة رابحة في حشد الدعم الدولي لقضية الصحراء المغربية، إذ بإمكانها التأثير على مراكز صنع القرار دولياً عبر استثمار هامش الحرية المتاح لممثلي الأمة ليرافعوا باسمها في وجه خصوم المملكة.

وتابع قائلا “البرلمانيون يتمتعون بهامش حرية ما يجعل تدخلاتهم فعّالة حيث الفرص سانحة لتعزيز مكانة المغرب والمرافعة والتحسيس من أجل خدمة قضايا المغرب العادلة وفي مقدمتها قضية الوحدة للترابية للمملكة، كما تتيح اللقاءات التي يشارك بها أعضاء المؤسسة التشريعية إمكانية التأثير والإقناع والتحسيس وتقريب وجهات النظر”.

وأشار إلى أنه في هذا السياق، تنامى دور الدبلوماسية البرلمانية المغربية كقوة اقتراح فاعلة وأداة هامة في توفير سبل الاتصال ونقل المعلومات بدقة حول مشروعية وأحقية المغرب التاريخية والقانونية في وحدته الترابية.

أمريكا اللاتينية.. من حاضنة للانفصال إلى منبر للدفاع عن مغربية الصحراء

في ثمرة من ثمار هذا الترافع، قال الأكاديمي ضمن قراءته التحليلية، إن الدبلوماسية البرلمانية المغربية استطاعت أن تخترق منطقة أمريكا اللاتينية والكراييب.

وأكد أن ذلك تأتى بمجهودات اضطلعت بها مجموعات الصداقة البرلمانية ومختلف مكونات المؤسسة التشريعية، مردفاً “الممارسة الدبلوماسية البرلمانية المغربية عرفت في العقدين الأخيرين تطوراً لافتا من خلال المواكبة وتكوين مجموعات الصداقة البرلمانية، وإحداث الشعب الوطنية، وتبادل الزيارات بين رؤساء وأعضاء البرلمان والمشاركة في الملتقيات الدولية بهذه المنطقة”.

وفي ظل توالي سحب دول أمريكا اللاتينية والكراييب اعترافها بـ”الكيان الوهمي”، لفت الدكالي إلى مكتسب مهم يتمثل في انتقال مؤسسات دول هذه المنطقة من الدعم إلى مرحلة الترافع عن القضية الوطنية دولياً.

برلمانيو الصحراء.. صوت الأرض

يرى محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن هذه الاختراقات هي نتيجة مباشرة للمرونة التي تُتيحها الدبلوماسية البرلمانية، إذ بفضل استقلالها النسبي عن المواقف الرسمية، يمكن للبرلمانيين الولوج بسهولة إلى مراكز القرار، والتأثير في النخب الحزبية والثقافية والإعلامية، وهو ما منح المغرب أداة فعّالة لتصحيح الصورة وتفكيك الرواية الانفصالية.

واعتبر عبد الفتاح في تصريح لـ”مشاهد24″، أنه لا يمكن الحديث عن الدبلوماسية البرلمانية دون الإشارة إلى الدور المحوري الذي يضطلع به ممثلو الأقاليم الجنوبية بالمؤسسة التشريعية.

هؤلاء البرلمانيون – بحسب الخبير في الشؤون الصحراوية – يمثلون شرعية الأرض والسكان، ووجودهم في المحافل الدولية يُفنّد مزاعم الجبهة الانفصالية حول “التمثيلية”. لكن الأهم من ذلك، أن هؤلاء البرلمانيين يتقنون اللغة الإسبانية ويتشربون من نفس الثقافة التي تُشكل الوجدان الجمعي لبلدان أمريكا اللاتينية، وهو ما يمنحهم قدرة تأثير نوعية في المجتمعات المحلية، ويمكنهم من نسج خطاب تواصلي مباشر ومؤثر.

وأكد رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن انخراط البرلمانيين إلى جانب باقي الفاعلين، يُكرّس الإجماع الوطني حول مغربية الصحراء، باعتباره عنصر قوة في الموقف المغربي، كما أنه يبلغ للعالم رسالة مفادها أن قضية الوحدة الترابية هي قضية الأمة المغربية بأكملها وليست مجرد موقف رسمي.

وتابع “نتحدث عن حالة إجماع وطني ينخرط فيها كل الفرقاء والفاعلين والنخب، وهذا يعزز الموقف المغربي ويؤثر في تعاطي نخب بلدان أخرى مع ملف النزاع المفتعل كما يساهم في تصحيح مواقف العديد من النخب كونها كانت متأثرة لفترة طويلة بحالة الاستقطاب الدولي إبان الحرب الباردة”.

الدبلوماسية البرلمانية.. واجهة ترافعية

في ظل دينامية دولية تنتفض لدعم مغربية الصحراء، تم في الآونة الأخيرة تحقيق اختراقات غير مسبوقة في مسار هذا النزاع المفتعل خاصة في أمريكا اللاتينية. وتجنّدت الدبلوماسية البرلمانية والتي تضع قضية الصحراء المغربية على رأس أولوياتها، للدفاع عنها وحشد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي.

محمد الغيث ماء العينين، نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، اعتبر أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية تُجسّد اليوم أحد أبرز روافد الدفاع عن القضية الوطنية في الفضاءات الدولية، وخاصة في أمريكا اللاتينية والوسطى ومنطقة الكارييب.

وأوضح ماء العينين في تصريح لـ”مشاهد24″، أن الدبلوماسية البرلمانية المغربية لا تشتغل في فراغ، بل تنهل من المرجعية الوطنية الجامعة، وتُترجم التوجيهات الملكية السامية على مستوى الترافع المؤسساتي، وتتكامل ميدانيًا مع الدبلوماسيتين الرسمية والحزبية، مما يمنحها خصوصية مغربية في الأداء والنجاعة.

ما نعيشه اليوم من زخم غير مسبوق في هذا الفضاء الجيوسياسي – يستطرد المتحدث – هو ثمرة تنسيق دقيق ومتراكم بين مختلف هذه الأذرع الدبلوماسية. مشيراً إلى أن الدبلوماسية البرلمانية، استطاعت من خلال هذا التكامل، أن تُحدث اختراقات نوعية في عدد من الدول التي كانت تُناصر الطرح الانفصالي، سواء عبر تليين مواقف برلماناتها، أو دفعها إلى اتخاذ قرارات داعمة لمقترح الحكم الذاتي، أو حتى مراجعة اعترافها بالكيان الوهمي.

ونوّه نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إلى أنه خلال السنة الماضية فقط، عبّر مجلس الشيوخ في إحدى الدول المحورية عن دعمه الصريح للمبادرة المغربية باعتبارها الأساس الوحيد الجدي وذي المصداقية للحل النهائي، بينما قررت دول أخرى في المنطقة تعليق اعترافها بالكيان الانفصالي، وفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية للمملكة. وهي مؤشرات على أن الرواية المغربية باتت تجد صدى متزايدًا، حتى في الفضاءات التي طالما احتضنت خطاب الانفصال.

ويعتقد ماء العينين، أن ذلك يرجع إلى تحوّل الدبلوماسية البرلمانية المغربية من وضع دفاعي إلى استراتيجية هجومية ذكية، تعتمد المعطى الميداني، والربط بين شرعية السيادة والتنمية، والقدرة على بناء صداقات مؤسسية دائمة مع البرلمانات النظيرة.

وأشار الخبير السياسي إلى الاستثمار في الشراكات جنوب-جنوب، حيث تموقع المغرب كشريك موثوق ومنسق فاعل في مشاريع التعاون الإقليمي، لا سيما عبر مؤسسات مثل برلمان أمريكا اللاتينية والكارييب (بارلاتينو) أو برلمان أمريكا الوسطى (بارلاسين)، اللذين منحهما صفة الشريك المتقدم وفضاءً مؤسساتيًا دائمًا للحضور المغربي.

وشدد بالقول “إن ما تحقق في أمريكا اللاتينية والوسطى ليس انتصارًا دعائيًا، بل تحولًا استراتيجيًا في بنية الدعم الإقليمي والدولي لقضيتنا الوطنية، ويعود الفضل في ذلك إلى دبلوماسية نشطة، متعددة الروافد، تتقدم بخطى واثقة تحت قيادة جلالة الملك”.

الدبلوماسية البرلمانية المغربية “تخنق” الجزائر!

أفضت الجهود الكبيرة التي تبذلها مؤسسة البرلمان بالموازاة مع عمل الدبلوماسية الرسمية، إلى تحقيق الكثير من الاختراقات في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، خاصة في أمريكا اللاتينية التي طالما اعتبرت معقلاً للمشروع الانفصالي.

واستطاع المغرب، من خلال نهجه الدبلوماسي المتجدد تحويل ميزان القوى في أمريكا اللاتينية لصالح قضيته الوطنية، مما أدى إلى فقدان الأطروحة الانفصالية الزخم في هذا الفضاء، وهو ما يُثير حنق الجزائر.

وحيال ذلك، أكد أحمد الخريف، المستشار البرلماني، أنه بفضل تظافر مجهودات الدبلوماسية الرسمية والبرلمانية أصبحت الجزائر اليوم في عزلة شديدة ليس في أمريكا اللاتينية وحسب وإنما في جل القارات.

وفسّر الخريف في تصريح لـ”مشاهد24″، أن العلاقات التي كانت تربط النظام الجزائري بالأنظمة اليسارية في أمريكا اللاتينية ورغم خصوصية هذه العلاقات إلا أنها تحولت لصالح المغرب؛ وذلك بعد فضح ادعاءات خصوم الوحدة الترابية، مقدماً نموذج دولة الشيلي والتي باتت تدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي في منطقة الصحراء، كحل “سلمي ونهائي ومستدام”.

ويعتقد المستشار البرلماني أن دول أمريكا اللاتينية أضحت تُفضل المغرب على الجزائر لمكانته الجيواستراتيجية، إلى جانب تمتع المملكة باستقرار سياسي يخول لها خلق مبادرات سياسية واقتصادية فعّالة من قبيل “المبادرة الملكية الأطلسية”.

وأردف قائلا: “من خلال اتصالاتي ببرلمانات أمريكا اللاتينية والوسطى والكراييب والجهات الحكومية في هذا الفضاء أجد دائما تطلعاً كبيراً لتوطيد العلاقات مع بلادنا؛ فهم ينظرون إلى المغرب كبوابة آمنة في إفريقيا والعالم العربي”، لافتاً أن الجزائر “أصبحت مركونة على الرفوف وفي عزلة غير مسبوقة بسبب سياستها العدائية”.

وفي نفس السياق، أكد عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية جمال كريمي بنشقرون أن “الجارة الشرقية الجزائر في عزلة تامة، ومواقفها تثير الامتعاض في جميع القارات”.

وزاد قائلا: “لقد فهم صناع القرار بأمريكا اللاتينية والوسطى والكراييب أن الجزائر ليست محايدة كما تدّعي في قضية الصحراء المغربية، بل هي الداعم والمحتضن لعصابة البوليساريو”.

ورأى أن المكاسب التي حققتها المملكة المغربية وخاصة في أمريكا اللاتينية أثارت حنق الخصوم، مبيناً أن سياسة الجزائر العدائية جعلتها بعيدة عن الواقع.

ثمار التعاون

إلى جانب البعد السياسي والتعريف بقضية الصحراء وشرح حيثياتها السياسية والتاريخية لبرلمانات دول أمريكا اللاتينية والوسطى والكراييب، يمكن للدبلوماسية البرلمانية أن تكون أداة قوية في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين المغرب وشركائه.

وفي هذا الصدد، أعلن مجلس المستشارين وعدد من البرلمانات الجهوية والإقليمية بأمريكا اللاتينية والكاريبي، يوم الأربعاء 4 دجنبر 2024، عن توقيع إعلان مشترك يروم إنشاء “المنتدى البرلماني الاقتصادي المغرب- أمريكا اللاتينية والكاريبي”، كمبادرة تستجيب للحاجة إلى تعميق العلاقات الاستراتيجية، وإحداث فضاء مؤسسي رسمي ودائم للحوار البرلماني بين- الإقليمي، من شأنه تعزيز التعاون وتوطيد العمل المشترك في القضايا ذات الاهتمام المشترك.

بدر الزاهر الأزرق، الباحث والخبير في قانون الأعمال والاقتصاد، اعتبر أن المملكة المغربية واعية بتنويع شركائها ليس فقط في أفريقيا وأوروبا وآسيا بل وحتى في أمريكا اللاتينية، مشيراً إلى أن ذلك يتضح من خلال الاتصالات المباشرة التي تقوم بها الدبلوماسية الرسمية والموازية مع دول أمريكا اللاتينية.

وتوقع الأزرق في تصريح لـ”مشاهد24″، حدوث نقلة نوعية في المبادلات التجارية بين المغرب ودول أمريكا اللاتينية بعد استكمال بناء ميناء الداخلة الأطلسي؛ الذي ستكون وجهته الرئيسية أمريكا اللاتينية وغرب أفريقيا.

ويرى الباحث والخبير في قانون الأعمال والاقتصاد، أن إنشاء “المنتدى البرلماني الاقتصادي المغرب- أمريكا اللاتينية والكاريبي”، سوف يعطي دفعة قوية للمبادلات التجارية والاقتصادية، كما سيدفع باتجاه اعتماد إطار محفز لهذه المبادلات؛ في انتظار استكمال المشروع الكبير ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيسرع هذه المبادلات ويطورها.

وشدد على أن المملكة عازمة على تعزيز أسطولها التجاري، مبيناً أن من أهم الوجهات المستقبلية ذات الفرص الاستثمارية الواعدة هي وجهة أمريكا اللاتينية والتي ما زالت وفق اعتقاده غير حاضرة بقوة على مستوى المبادلات التجارية.

واستطرد الأزرق “ما يعزز ذلك؛ أن هناك تجارب رائدة على مستوى التعاون الاقتصادي بين بعض دول أمريكا اللاتينية والمغرب وفي مقدمتها البرازيل؛ خاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائي والفوسفاط وصناعة الأسلحة والمبادلات التجارية الفلاحية وغيرها”.

بدورها، تطرقت سلمى بنعزيز، إلى أنه من بين الأهداف التي تسعى إليها الدبلوماسية البرلمانية هي فتح آفاق وشراكات استراتيجية.

وأوضحت “دورنا كبرلمانيين يرتبط أيضا بتعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي، وهنا نتحدث عن التعاون جنوب جنوب في مجالات متعددة على غرار التنمية المستدامة، الطاقات المتجددة، التعليم وغيرها”.

وشددت المتحدثة على أن المغرب منخرط في مسلسل الاستجابة للتحديات التي يعرفها العالم من قبيل الأمن الطاقي الأمن الغذائي والمناخ، “ونحن نعمل على مشاركة تجربتنا والاستفادة من تجارب دول أخرى، وكذا تقاسم هذه التجارب مع دول القارة الإفريقية ككل”. وفق تعبيرها.

تحركات فعّالة تتماشى مع الرؤية الملكية

مباحثات مكثفة ووازنة تلك التي أجراها راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، في الفترة الماضية مع رؤساء وممثلي المؤسسات التشريعية بأمريكا اللاتينية والوسطى والكارييب والمكسيك وغيرها.

وقرأ عدد من المتابعين للشأن السياسي هذا التحرك واللقاءات التي عقدها أيضاً رئيس مجلس المستشارين في الآونة الأخيرة داخل وخارج أرض الوطن، بمثابة دبلوماسية برلمانية فعّالة في أبرز معاقل خصوم الوحدة الترابية.

وفي خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، أكد الملك محمد السادس أن “المرحلة التي تمر منها قضية وحدتنا الترابية، تتطلب استمرار تضافر جهود الجميع”.

والأكيد أن الدبلوماسية البرلمانية قد التقطت الإشارات الملكية على محمل الجد، وهي تواصل مجهودات جبارة بالفعل، لإقناع بلدان أمريكا اللاتينية وباقي الأقطار بعدالة القضية الوطنية والتصدي لمناورات الخصوم.

وحيال ذلك، أكد قادة الأحزاب السياسية المغربية يوم الاثنين 5 ماي الجاري بمجلس المستشارين خلال الندوة الوطنية المنظمة تحت شعار “البرلمان المغربي وقضية الصحراء: نحو دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال”، انخراط الهيئات السياسية التي ينتمون إليها في تفعيل دور الدبلوماسية الموازية في الترافع عن قضية الصحراء المغربية في مختلف المحافل الدولية.

وأجمع الأمناء العامون للأحزاب على أن القضية الوطنية لم تعد تحتمل التردد أو الخطاب الرمادي، في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها الملف.

اقرأ أيضا

طعن العريس أمام الحضور.. طائرة بدون طيار توثق جريمة زفاف في الهند

تحول حفل زفاف في مدينة أمرافاتي بولاية ماهاراشترا الهندية إلى مشهد رعب عندما أقدم شاب …

Botola

قمة نارية بين الوداد والجيش في الجولة 11 من البطولة النسوية

تتواصل نهاية هذا الأسبوع منافسات البطولة الوطنية الاحترافية لكرة القدم النسوية بإجراء مباريات الجولة الحادية …

اعتقال “عرافة” بتهمة الاستيلاء على 70 مليون دولار أسترالي

أعلنت الشرطة الأسترالية، اليوم الخميس، إلقاء القبض على امرأة تبلغ من العمر 53 عاماً، تدعي …