هل انتهت صلاحية قيادة البوليساريو وحان موعد تشييعها؟!

بقلم: هيثم شلبي

تعيش مخيمات الاحتجاز في تندوف هذه الأيام ساعات عصيبة، في خضم حراك جماهيري يبدو أنه يخرج عن السيطرة يوما بعد آخر.

وبسبب عدم وجود أدوات “طبيعية” تتيح لوسائل الإعلام الدولية التحقق مما يجري، يبقى المتاح هو ما يتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الفضاء الافتراضي، من رسائل صوتية ومنشورات وفيديوهات، ينجح القليل منها في التسرب عبر الجدار الحديدي الذي يفرضه الجيش الجزائري ومرتزقته في قيادة البوليساريو، على كل صحراوي أبقاه سوء حظه رهن الاحتجاز التعسفي في هذه المخيمات منذ قرابة نصف قرن! وحتى نخرج من ثنائية: الدعاية/ الدعاية المضادة، سنحاول وضع مقاربة منطقية للأخبار المتداولة، لترجيح مدى مصداقيتها.

بداية، فالسؤال الذي يطرح نفسه قبل أي شيء آخر: هل يملك المحتجزون الصحراويون في مخيمات تندوف أي مبررات للاحتجاج على أوضاعهم؟! فإذا كانت الإجابة بنعم واضحة، ستكتسب الأخبار المتداولة عن هذه الاحتجاجات مصداقية كبيرة.

لقد عاشت أجيال الصحراويين الذين وجدوا أنفسهم أسرى هذه المخيمات جيلا بعد آخر، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، معيشة، مهما اجتهدنا في تبريرها بدواعي “النضال” الصحراوي الذي يبعده عن أرض وطنه، فإنها -من الناحية الإنسانية- حياة يصعب التأقلم معها أو تقبلها.

وتزداد حدة هذه الصعوبات الاجتماعية والصحية والنفسية، وهم يرون نظراءهم في أرض الوطن ينعمون بحياة هادئة ومنعمة، في مدن حديثة تحسدهم عليها أي مدينة جزائرية.

ومن جهة أخرى، يعاين الصحراويون المحتجزون حال قيادتهم التي تسكن في منازل أفضل، تقيها حر الصيف وزمهرير الشتاء، ويملكون السفر هم وعائلاتهم إلى المكان الذي يحبون. هذه الظروف تجعل الإجابة على مبرر وجود سخط لدى محتجزي تندوف أكثر من مبرر، بل ويمكن القول انه تأخر كثيرا!!

ثاني المسببات يتعلق “بالمضيف” الجزائري، الذي يحتضن قيادة البوليساريو ومحتجزيهم في تندوف. حيث أن مبرر الاحتفاظ بهؤلاء الرهائن بدأ يتلاشى، وهو على وشك الانتهاء. فالمساعدات الموجهة لساكنة تندوف تتناقص، ومعها تتناقص مداخيل الجنرالات المتأتية من بيع هذه المساعدات.

ومن الناحية السياسية، يدرك حكام الجزائر أن موقفهم من هذه القضية يضعهم في حالة عداء ليس مع المغرب فقط، بل ومع الدول العربية والإسلامية وباقي دول العالم التي تؤيد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتثمن جهوده التنموية التي يقدمها لسكان هذه الأقاليم.

وإذا أضفنا إلى ما سبق، تزايد العداء الذي يعبر عنه جنرالات الجزائر تجاه محتجزي تندوف، والنظر إليهم “كورطة” بعد أن كانوا يعتبرونهم “ورقة”، وهو ما بدأ يدفعهم لممارسة القتل والإرهاب عليهم، كما حدث في “مجزرة” الجيش الجزائري تجاه منقبي الذهب في التاسع من أبريل الماضي، والتي أسفرت عن مقتل مواطنين صحراويين وإصابة تسعة آخرين؛ وما تم تداوله مؤخرا بشأن قصف “الدرونات” الجزائرية للسكان الصحراويين في التاسع والعشرين من أبريل.

“إرهاب” منفلت من عقاله لا يملك تجاهه محتجزو تندوف سوى صب جام غضبهم على قادتهم المتواطئين مع الجنرالات “السفاحين”! وإذا أضفنا إلى ما سبق، ما تشهده المخيمات من صراعات مسلحة بالذخيرة الحية بين عصابات تهريب المخدرات والاتجار بالبشر، والتي تقف وراءها وتديرها قيادات متنافرة داخل أعلى هرم السلطة في البوليساريو، لا يعود هناك مجال لإنكار الأخبار التي تتحدث عن “انتفاضة” شعبية داخل المخيمات، للضغط على الجزائر ومرتزقتها من أجل السماح للمحتجزين بالعودة إلى حضن الوطن الأم، المغرب.

أبرز المتغيرات التي تجعل الكثير من المراقبين يتحدثون مؤخرا عن أن “إخلاء” المخيمات من سكانها، قد أصبح هدفا غير معلن لجنرالات الجزائر، بعد أن انعدمت أسباب المتاجرة بهذه القضية اقتصاديا، أو استخدامها لإلحاق الضرر بالمغرب سياسيا، يتمثل فيما سبق من اعتداءات مسلحة على سكان تندوف، وإهانات متعمدة للقيادة الصحراوية، والتي جاءت آخر مؤشراتها عندما استدعت القيادة الجزائرية “الرئيس” إبراهيم غالي نهاية أبريل الماضي، فحضر إلى الجزائر العاصمة على متن الطائرة الخاصة الموضوعة تحت تصرفه، ليعود بعد لقائه بالرئيس تبون إلى تندوف على متن رحلة تجارية من الجزائر العاصمة، والأدهى، أنهم حجزوا له مقعدا في الدرجة الاقتصادية، ولم يتكرموا عليه حتى بمقعد في درجة رجال الأعمال؛ ولكم أن تتخيلوا ما دار في ذهنه وهو يواجه نظرات العشرات من الصحراويين الذين شاركوه مقاعد الدرجة السياحية!!

بارتباط مع ما سبق، بدا لافتا حديث الرئيس تبون خلال زيارته “الفضيحة” إلى سلوفينيا، عن دعم الجزائر لحل تفاوضي يحظى برضى المغرب والبوليساريو، وهي الجملة التي كانت -حتى قبل أيام- كفيلة بتجند الإعلام الجزائري لمهاجمة قائلها أيا كانت جنسيته!!

ما يجري في المخيمات، وسلوك عسكر الجزائر ومرتزقتهم في تندوف، يمكن ان ينضاف إلى ما صدر عن مجلس الأمن قبل أسابيع، وحديثه عن مهلة ثلاثة شهور من أجل تحديد موقف الجزائر ومرتزقتها النهائي من الجلوس إلى مائدة الحوار للبحث “حصريا” في مقترح الحكم الذاتي المغربي؛ يضاف إلى ذلك الحديث عن قرب تصنيف جماعة البوليساريو، أمريكيا، ومن ثم دوليا، كمنظمة إرهابية، وهو ما يستتبعه بالضرورة تحول الجزائر إلى نظام يرعى الإرهاب! جميع هذه المتغيرات، تنهي أي مراهنة للنظام الجزائري على ورقة البوليساريو المحروقة، وتفتح الباب على مصراعيه أمام طرد “جمهورية تندوف” من أروقة الاتحاد الأفريقي، وبالتالي تضع جنرالات الجزائر في مواجهة مباشرة مع مواطنيهم، الذين سيرفعون شعارا واحدا: ماذا حققتم من وراء دعم جماعة انفصالية، غير إهدار مليارات الشعب الجزائري، وعزل الجزائر إقليميا وقاريا ودوليا، وتقطيع أواصر الدم والقربى والنضال مع الجيران المغاربة؟!

والآن، وبعد سوق المبررات المنطقية التي ترجح الأخبار الواردة من مخيمات تندوف، يبقى التساؤل الوحيد المطروح متعلقا بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الاحتجاجات: هل ستقود إلى إسقاط إبراهيم غالي وزمرته، وبالتالي الإتيان بقيادة جديدة لن يكون في مقدورها إحداث أي تغيير يذكر في أوضاع محتجزي تندوف؟ أم ينجح هذا الحراك في لفت نظر الهيئات الأممية إلى ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتكررة القاضية بإجراء إحصاء سكاني لمحتجزي تندوف، تمهيدا لعودة من يرغب منهم إلى الأقاليم الجنوبية المغربية؟! هذا الخيار الثاني إن تم، وبمجرد تأكد جنرالات الجزائر من قرب حدوثه، سيقومون على الأرجح بتنظيم حملة “طرد” دموية لجميع سكان مخيمات تندوف، ودفعهم بالقوة إلى الحدود الموريتانية، إذا تعذر إدخالهم إلى الحدود المغربية، حتى لا تنكشف حقيقة أن الصحراويين المغاربة يشكلون أقل من خمس سكان مخيمات تندوف! ولمن يستبعدون احتمال قيام الجنرالات بطرد المحتجزين، نؤكد لهم أن لهم في ذلك سوابق موثقة تستعصي على الإنكار!

خلاصة القول، ربما لن نحتاج إلى انتظار انتهاء مهلة الثلاثة شهور، قبل أن نرى خلال هذه الأسابيع دلائل دامغة على قرب دفن قيادة عصابة البوليساريو وإقفال هذا الملف، دون الحاجة إلى خوض نضال دبلوماسي لحذف القضية من اللجنة الرابعة، وإخراج جمهورية الوهم من الاتحاد الأفريقي، وبالتالي إقفال الملف بشكل نهائي على مستوى الأمم المتحدة، والإعلان النهائي عن ذلك خلال جلسة مجلس الأمن في أكتوبر المقبل. ننتظر ونرى!!

اقرأ أيضا

الجزائر والبوليساريو

“الساحل أنتليجنس”.. “البوليساريو خدعة إرهابية” في خدمة أجندات النظام الجزائري

أفادت صحيفة “الساحل أنتليجنس” (Sahel-Intelligence) المتخصصة في الوضع الأمني في منطقة الساحل، بأنه منذ أكثر من خمسين سنة، تزعم جبهة البوليساريو الانفصالية أنها تمثل الصحراويين،

محمد الطيار يكتب.. مليشيات البوليساريو وعمليات الذبح وقطع الرؤوس قبل القاعدة وداعش

لازالت مناطق جغرافية تعاني إلى اليوم من آثار هجمات مليشيات البوليساريو الإرهابية مدعومة بالجيش الجزائري، أواخر عقد السبعينات، ومنها مدينة آسا وتويزكي لبيرات وطانطان واعوينة ايتوسى، وقد شهدت هذه المناطق هجرة مكثفة للعائلات نحو كلميم وسوس والى مدن داخل الصحراء المغربية، ولازالت مناطق خالية من سكانها إلى الآن.

000

المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية يدين جرائم الجيش الجزائري بمخيمات تندوف ويدعو لتصنيف “البوليساريو” كمنظمة إرهابية

أدان المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية، في بلاغ شديد اللهجة، استمرار الجرائم المرتكبة من طرف الجيش …