بقلم: هيثم شلبي
لا حديث لوسائل الإعلام العربية خلال الساعات الأخيرة، سوى عن الهجمة الجزائرية غير المسبوقة أو المتوقعة على دولة الإمارات العربية المتحدة. نقول غير المسبوقة، على الرغم من تهجم الإعلام الجزائري على الإمارات في أكثر من مناسبة خلال الشهور الماضية، حيث أن غير المسبوق هنا، هو مدى “الانحطاط” الذي بلغته لغة البيان- التقرير الذي تم بثه على التلفزيون الرسمي الجزائري، وانفتح بعده باب التنافس في الشتم على مصراعيه أمام مختلف وسائل الإعلام الجزائرية، المقروءة والمرئية والمسموعة، ناهيك عن “الذباب الإلكتروني” الذي يحتل مساحة معتبرة من الفضاء الافتراضي.
مصدر الاستغراب الأساسي بالنسبة لكل من تناول الحدث خارج الجزائر، كان عدم تناسب ردة الفعل العنيفة هذه، مع الأسباب التي سيقت لتبريرها. فتصريح أستاذ التاريخ الجزائري محمد الأمين بلغيث خلال مروره على برنامج حواري تستضيفه مذيعة جزائرية على قناة سكاي نيوز عربية التي تبث من الإمارات، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبرر ردة الفعل المتشنجة تجاه دولة كالإمارات، وذلك لأسباب يصعب حصرها، نكتفي فقط بإيراد أهمها: أولا، موقف “المؤرخ” الجزائري من “القضية الأمازيغية” هو تكرار حرفي لما سبق وصرح به قبل بضع سنوات على قناة الشروق الجزائرية، دون زيادة أو نقصان، ورغم ذلك، لم تتخذ السلطات الجزائرية أي إجراء يذكر لا تجاه بلغيث، ولا محاوره، ولا البرنامج ولا القناة، فلماذا عندما كرر كلامه على قناة إماراتية قرر عسكر الجزائر إقامة الدنيا، دون أدنى فكرة عن كيف سيقعدونها لاحقا!!
ثانيا، فمشاهدة حلقة بلغيث على سكاي نيوز عربية تظهر أنه “ابن النظام العسكري في الجزائر”، بالمصطلحات التي يصف بها “عظمة وقوة الجزائر الجديدة”؛ ناهيك عن أن الغالبية العظمى من وقت تدخله خصصه للهجوم الحاد على فرنسا، وهو الموضوع الذي تم استضافته من أجله أصلا، ولم يأت على موضوع الأمازيغية إلا في هذا السياق (سياق الهجوم على فرنسا)، مما يجعلنا مجبرين على الافتراض بأن هذه الهجمة الشرسة على المؤرخ والقناة، ودولة الإمارات بالتبعية، كان حقيقة بسبب ما تفوه به الرجل ضد فرنسا وليس ضد الأمازيغ!!
ثالثا، أن هذه “الغضبة المضرية” لم نشهد لها مثيلا تجاه تصريحات الساسة الفرنسيين، وعلى رأسهم إيمانويل ماكرون نفسه الذي صرح بوضوح أن الجزائر كدولة هي صنيعة الاستعمار الفرنسي، ولم تكن قبل الاحتلال الفرنسي تمتلك أدنى مقومات الدولة. كما أن هجوم مختلف وسائل الإعلام الفرنسي على الجزائر وقادتها، لم تدفع جنرالات الجزائر وأبواقهم الإعلامية إلى توجيه ربع الشتائم لفرنسا، من تلك التي تجرأت على التفوه بها تجاه الإمارات!!
أما ما أثار الاستغراب، فهو قاموس الشتائم المنحطة التي وجهت للإمارات وقادتها وشعبها، والذي لم يسبق توجيهه إلى دولة أخرى. فوصف قادة الإمارات “بالأقزام”، وشعبها “باللقطاء”، ودولتها “بالمصطنعة”، هي اوصاف لا يمكن لأحد من عرب الجزيرة العربية، بأنفتهم البدوية المعهودة، ناهيك عن الإمارات نفسها، ومعها باقي الشعوب العربية، أن يغفرها أو يتسامح تجاهها، وهي تفتح حرفيا “باب جهنم” على النظام الجزائري الذي أدخل نفسه في أتون معركة، من المؤكد أنه لم يحسب لها تداعياتها بالمطلق.
وعليه، ففتح النظام الجزائري النار على قيادة وشعب الإمارات، لا بد وأن يستدعي -كما حدث في مرات عديدة سابقة- تضامنا غير مشروط من باقي دول الخليج الخمسة الأخرى، باعتباره حربا على المنظومة الخليجية برمتها، لا سيما وأن العبارات القدحية التي وصف بها عمر دولة الإمارات المستقلة، ينطبق على تواريخ استقلال كل من البحرين وقطر وعمان والكويت. وهنا، لا ندري كيف لا تنطبق هذه العبارات القدحية على الجزائر نفسها، التي سبقت هذه الدول الخليجية بتسع سنوات فقط من حيث التأسيس كدولة مستقلة (الإمارات استقلت عام 1971 والجزائر استقلت عام 1962)!؛ فكيف يعتبر هذا النظام الأخرق استقلال الإمارات “مصطنعا” ولا يقبل نعته بنفس الصفة، رغم تقارب استقلال البلدين؟!
ويمكن القول، أن الأزمة التي افتعلها النظام الجزائري مع الإمارات وحلفائها داخل المنظومة الخليجية بالتضامن، والعربية بالتبعية، بالكاد قد بدأت، لاسيما وأن تزامن هذه التصريحات مع عطلة نهاية الأسبوع، قد تسببت حتى اللحظة في عدم صدور أي تعليق من الإمارات أو مجلس التعاون الخليجي.
وهنا، من المفيد التذكير بأن سوابق تهجم إيران على مملكة البحرين قد استدعى تضامنا خليجيا وعربيا وصل حد قطع بعض الدول العربية (ومنها المغرب) لعلاقاته الدبلوماسية مع إيران، مشترطا اعتذارها عما وجهته من استفزاز لسلطات البحرين، رغم أن إيران لم تذكر كلمة واحدة من سلسلة الشتائم التي وجهتها الجزائر لدولة عربية تشترك وإياها في عضوية جامعة الدول العربية، على علاتها!!
إن ما يكاد يجمع عليه مختلف من علق على هذه الأزمة، هو اشتراكهم في عدم قبول المبرر الجزائري لهذا الهجوم المنحط غير المسبوق في العلاقات العربية، والذي وعلى الرغم من اشتراكه مع بعض السوابق لتهجم هذا النظام العربي على ذاك، فإنه لم يصل يوما إلى حد التهجم على شعب عربي آخر بوصفه مجموعة من “اللقطاء فاقدي الشرف” كما وصف النظام الجزائري شعب الإمارات الكريم!!
هكذا بالمطلق؛ ويريدون إقناعنا بأنها ردة فعل منطقيه على تصريح مؤرخ من أبناء النظام على أحد مكونات الشعب الجزائري!! أما ما هي الأسباب الحقيقية لهذا الهجوم “غير المفهوم”، فسيكون موضوعا لقراءات أخرى ليس هذا مقامها، وستبدأ حقائقه في الظهور تباعا، ومعها ستبدأ تداعيات هذه “السقطة” بالتبلور في مقبل الأيام.
هذا الموقف المتشنج للنظام، وبغض النظر عن أسبابه الحقيقية غير المعلنة، فإنه يعتبر الحلقة الأحدث من سلسلة تصريحات ومواقف متشنجة غير مدروسة، درج النظام الجزائري في الشهور الأخيرة على التعبير عنها، بشكل يتنافى مع أبسط الأعراف الدبلوماسية، بدء من الموقف من المغرب الذي توج بقطع العلاقات معها وإقفال مجاله الجوي أمام طائراتها؛ مرورا بالموقف من دول الجوار الجزائري كليبيا وموريتانيا ومالي والنيجر: وانتهاء بالموقف من اسبانيا وفرنسا بسبب قرارهما السيادي بدعم مغربية الصحراء. تشنج عالجناه في وقته، باعتباره انعكاسا أمينا لحالة أزمة طاحنة يعيشها النظام العسكري في الجزائر، لدرجة تجعلنا نجزم بأن هذا النظام يعيش أيامه الأخيرة!
كخلاصة، يمكن القول بأن هذه الأزمة الأخيرة، وإن لم تكن الأولى، فأنها قد تكون الأخيرة التي ستعجل في كتابة شهادة وفاة هذا النظام الفاقد للمشروعية. وعليه، فإن الفصول المثيرة لهذه الأزمة بالكاد قد بدأت، وإنه إذا كان جنرالات الجزائر قد حددوا بدايتها، فإنهم قطعا لا يملكون كتابة المشهد الختامي لها، والذي لا نعلم سوى أن ثمنه سيكون أكبر مما تخيله الجنرالات الحمقى في أسوأ كوابيسهم!
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير