تصعيد لهجة التهجم الجزائري على الإمارات.. محاولة للفهم!

هيثم شلبي

مع توالي إخفاقات نظام الجنرالات في الجزائر، داخليا وخارجيا، كان لزاما عليهم الرد بإحدى طريقتين من أجل صرف أنظار الشعب الجزائري، ووضع بدائل على طاولة نقاشات الشارع لإشغاله: الترويج لانتصار وهمي دعائي، والنفخ فيه مهما كان صغيرا؛ وهو ما لم يتمكنوا منه بسبب الغياب التام لأي إنجاز خلال سنوات حكم الرئيس عبد المجيد تبون الأربعة؛ أو تأجيج الصراع -اللفظي أساسا- مع العدو الكلاسيكي المغرب، واختراع أعداء آخرين، حتى لا يمل الجزائريون من التكرار! وهكذا، ومع دخول الرئيس تبون عامه الأخير في المرادية، نلاحظ توالي “حماقات” البوليساريو (كما في السمارة والمحبس)، والجديد، اختراع عدو آخر وتلبيسه جميع أنواع الشرور، بل وتحميله المسؤولية عن جميع المخاطر المحيطة بالجزائر -هو وشريكه المغربي- ونقصد بهذا العدو الجديد الإمارات العربية المتحدة. نبرة عداء تعلو وتخفت دون أن يتم التوافق بين أجنحة النظام (الجيش والمخابرات والرئاسة) على إيقاف هذه الحملة العبثية تماما، أو إيصالها إلى نهايتها المنطقية: قطع العلاقات. وعليه، لاحظنا تزايدا لافتا لحدتها بعد الإعلان عن توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية المبتكرة بين الإمارات والمغرب.

ورغم أن مبدأ “العلاقات الخارجية للدول هي شأن سيادي خاص تحدده كل دولة تبعا لمصالحها”، هو من بديهيات السياسة والعلاقات الدولية، بحيث لا يجوز اعتراض دولة ما على خيارات دولة أخرى السيادية، لكن هيمنة منطق العسكر على ما سواه في الجزائر، يجعلهم يتجاهلون ليس فقط مبادئ العلاقات الدولية، بل وقواعد المنطق واللغة والجوار والوجود البشري برمته!

ورغم أن الحملة على الإمارات، ظهرت في البداية “كصراع بين أجنحة النظام”، حيث سربت جهة في المخابرات خبر تجسس الإمارات على الجزائر لصالح إسرائيل، وطرد السفير الإماراتي على إثرها، إلا أن رد جناح الرئاسة السريع بإقالة وزير الاتصال، أوحى بأنها حملة معزولة لا يوجد توافق داخلي بشأنها؛ ليتضح لاحقا مع تكرار التهجم على الإمارات، بأنها حملة منسقة، وأن الاعتراض على الهجوم الأول كان بسبب التوقيت والتسرع في تدشين الحملة!!

وتشهد هذه الحملات تصعيدا ملحوظا، بعد زيارة الملك محمد السادس للإمارات، وما أعلن خلالها من مشاريع، جعلت قيمة استثمارات الإمارات في الجزائر (600 مليون دولار) تبدو خلالها مجرد “كسور”، وهو ما يعكس السنوات الضوئية التي تفصل بيئة الاستثمار في جزائر العسكر عن المعايير الدولية المحترفة الجاذبة للاستثمارات الخارجية. ورغم ضآلة الرقم، فإن الإمارات تمتلك بهده الملايين السيطرة على مينائي العاصمة وجن جن في ولاية جيجل، وشركة مدار للتبغ (ثاني مصدر للضرائب في الدولة)، وبالتبعية فريق شباب بلوزداد، ومركب تجميع سيارات مرسيدس العسكرية، وغيرها. استثمارات تجعل كل عاقل (إن وجد من تنطبق عليه هذه الصفة في النظام العسكري) يفكر عشرات المرات قبل أن يهاجم صاحبها، لما لذلك من تأثير محتمل على علاقاته الثنائية معه، والأهم، ما تعكسه هذه التهجمات من صورة حول بيئة الاستثمار في جزائر العسكر، لاسيما بعد أن شاهد العالم كيف تعامل جنرالات الجزائر مع خط أنابيب الغاز المغاربي الواصل إلى أوروبا، ومع إسبانيا بعد تغيير موقفها من الصحراء المغربية، وغيرها. فلماذا لم يفكر جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، في العواقب؟! أم أنهم فكروا فيها، لكن بطريقتهم الخاصة جدا!!

لقد كان لافتا اختيار توقيت تصعيد هذه التهجمات على الإمارات بشكل خطير، في أعقاب تجسيد الشراكة الاستراتيجية المغربية الإماراتية، بما تحمله من مشاريع استراتيجية ذات أبعاد محلية وإقليمية وقارية، بل ودولية، والأهم -بالنسبة للجنرالات- أنها ستترجم الرؤية الملكية لمستقبل الصحراء المغربية، كنقطة لقاء للأفارقة، وستكرس إلى غير رجعة، اعتراف الأفارقة والعالم بالسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، وهنا بيت القصيد. أما كل ما يثار حول مساعدة الإمارات لموريتانيا وتونس وليبيا من أجل الالتحاق بقطار التطبيع مع إسرائيل، فلا يوجد طفل صغير يمكن أن تنطلي عليه هذه الكذبة، ناهيك أن الحديث يدور في النهاية عن دول ذات سيادة، تراعي حتى الآن علاقات الجوار مع الجزائر، التي يحاول جنرالاتها إظهار رؤساء ومسؤولي أصدقاء الجوار على أنهم مجرد “دمى” تتلاعب بهم الإمارات، وتخبرهم بمن يربطوا العلاقات وبمن سيقطعونها. وهنا، إما أن هذه الصورة التي يرسمها الجنرالات لسلطات موريتانيا وتونس وليبيا حقيقية، وبالتالي فهم يعجلون بإصدار أوامر الإمارات لهم بقطع علاقاتهم مع الجزائر (دون أن يملكوا طبعا حق الاعتراض)، وإما أن هذه الصورة هي مجرد كذب ومجافية للحقيقة، ويكون الجنرالات بذلك قد ارتكبوا خطيئة بحق جيرانهم، وسيدفعون ثمنها “بطريقة مناسبة” من طرف هؤلاء “الدمى”!!

المعضلة التي تواجه محاولات التحليل والفهم للحملة الجزائرية على الإمارات، كما حالة العداء تجاه المغرب، سيصطدم بأن سلوك النظام الجزائري برمته -وليس فقط في الأمرين المذكورين- غير خاضع لقواعد المنطق السليم، بل والغريزي؛ لنجد أنفسنا في الحالة التي نبحثها أمام احتمالات محدودة لتبرير سلوك الجنرالات: إضافة لرغبتهم في إلهاء الرأي العام، والترويج لأنفسهم بأنهم رأس حربة مقاومة التطبيق في المنطقة، يتبقى احتمالان أساسيان: إما أنهم يتصرفون “غريزيا” بدافع عدائهم الأزلي لكل ما هو مرتبط بالمغرب (وهو الأمر الذي يحتاج أصلا لتبرير منطقي)، لكن ما يضعف هذه الحجة، أنهم لا يعاملون باقي الدول العربية التي تعترف بمغربية الصحراء بنفس الطريقة (مع التذكير بأنها لم توقع اتفاقات استثمارية شبيهة بما وقعته الإمارات). ثاني المبررات، أنها محاولة مقصودة للتحرش بالإمارات من أجل دفعها إلى التخلي عن استثماراتها في الجزائر، بدل تحمل التبعات المالية والقانونية لما جادت به قريحة “المناضلة الأزلية” لويزة حنون، التي طالبت الرئيس تبون بتأميم هذه الاستثمارات!! ونعلم بأن أحدهم لن يعدم إضافة مبررات أخرى لهذا السلوك الجزائري المشين، لكنها تشترك جميعها في كونها “تخلو من أي منطق سليم”!!

والسؤال الملح هنا: إذا كان جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، متأكدون من جميع هذه “المؤامرات” الإماراتية على بلادهم، ويتمتعون بتأييد الطبقة السياسية، المعارضة قبل الموالاة، فلماذا لا يقطعون علاقاتهم معها، على غرار ما فعلوا مع المغرب، التي لم يتهموها، بالمناسبة، بنصف ما اتهموا به الإمارات!! كيف سيبررون للرأي العام المحلي احتفاظهم بعلاقات دبلوماسية مع دولة تريد “هدم” الجزائر، وعزلها عن محيطها العربي والأفريقي؟! سؤال لن تجدي محاولة البحث له عن إجابات منطقية، لأننا نعلم أن سلوك النظام برمته يخلو من أي ملمح عقلي أو منطقي!! وبالتالي سنكتفي بمراقبة ما تجلبه الأيام القادمة من تطورات، ستلقي ضوءا أكبر على موقف مختلف الأجنحة من هذه القضية!!

ختاما، فالأكيد أن جنرالات الجزائر أدخلوا أنفسهم في قضية تتجاوز قدراتهم بكثير، دون أن يكون هناك داع حقيقي لذلك، وستكون هذه أحد أخطائهم “القاتلة”؛ حيث يعلم القاصي والداني أنه لا قبل للعسكر بمواجهة تحالف مغربي إماراتي على صعيد القارة الأفريقية، وهم الذين كانوا عاجزين عن مواجهة المغرب منفردا، دون نفوذ الإمارات الأفريقي! وستكون أولى ثمار هذه المعركة “الغبية” هي طرد مرتزقتهم من الاتحاد الأفريقي، والذي سيتم -دون مفاجأة تذكر- خلال 2024. وساعتها سيندمون عندما لا ينفع الندم!!

اقرأ أيضا

الجزائر

بالركوب على القضية الفلسطينية.. النظام الجزائري يحاول التشويش على تعيين “ماركو روبيو” وزيرا للخارجية الأمريكية

ما أن بدأت ترتسم بشكل أوضح التشكيلة الحكومية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، حتى سارع الإعلام الرسمي للنظام العسكري بالترويج بأن من بين الأشخاص، الذين تم تعيينهم، هناك أسماء لن تخدم القضية الفلسطيينة.

equipe-du-Maro

الموعد والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والغابون

يواجه المنتخب المغربي، اليوم الجمعة، منتخب الغابون، على أرضية ملعب “دانجوندجي” في العاصمة ليبروفيل، ضمن …

2024 سيكون العام الأعلى حرارة على الإطلاق

قالت خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي الخميس إن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح …