“الثابت والمتحول” في قرارات مجلس الأمن حول الصحراء المغربية

بقلم: هيثم شلبي

ساعات فقط، ويصدر قرار جديد عن مجلس الأمن، يجدد تفويض بعثة المينورسو في الصحراء المغربية، ويجدد دعوة أطراف النزاع المفتعل، الجزائر وصنيعتها البوليساريو من أجل الجلوس لطاولة المفاوضات، تحت إشراف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي مستورا، للتوصل إلى حل سياسي متوافق عليه لهذه القضية المفتوحة منذ قرابة نصف قرن. ورغم مرور كل هذا الوقت على هذه القضية، وما شهدته مراحلها السابقة من شد وجذب بين القوى العظمى والإقليمية، إلا أن حالة من الاستقرار تسود القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن في العقد الأخير، بحيث أصبح التنبؤ بما ستحمله القرارات الموالية أمرا ممكنا، وبدرجة عالية من الدقة، وذلك نتيجة لرسوخ مجموعة من “الثوابت” في هذا الملف، مع وجود مجالات ضيقة للأمور “المتحولة” التي تسمح ببعض الإضافات والاجتهادات بين هذا القرار ولاحقه. وسنحاول هنا، التطرق لأبرز العوامل الثابتة والمتحولة في قرارات مجلس الأمن الحالية واللاحقة، إلى أن يحين موعد التسوية النهائية لهذا النزاع:

أولى الثوابت أو الحقائق المتعلقة بمعالجة قضية الصحراء داخل مجلس الأمن، هو أنها قضية ليست ملحة على أجندة القضايا الدولية، وبالتالي لا تحظى بالأولوية في مناقشات أو اهتمام الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن؛ لماذا؟! لأن جملة من الحقائق الأساسية التي تخص هذا الصراع قد تبلورت، وأصبحت “أمرا واقعا” تتعامل تبعا له القوى الكبرى في العالم. فالمغرب يمارس سيادته الفعلية على الأقاليم الصحراوية منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ومعظم دول العالم، تتعامل مع هذه السيادة كأمر واقع.

ولعل ما يزيد من رسوخ هذه الحقيقة، أن المحيط العربي والأفريقي، والجوار الأوروبي، والهيئات الإسلامية والدولية، والدول الكبرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، لا تفصل في علاقتها التجارية والسياسية والاقتصادية مع المغرب، بين أقاليمه الشمالية والجنوبية. فاتفاقيات الصيد البحري، والصادرات الفلاحية، وصادرات الفوسفات، تشمل المغرب من طنجة وحتى لكويرة دون أن يثير ذلك مشكلة. ورغم محاولات الجزائر والبوليساريو اليائسة للتشويش على المغرب، والتشكيك في قانونية تعاملاته مع أقاليمه الصحراوية، إلا أن الهيئات القانونية المحترمة، وآخرها المؤسسة القضائية البريطانية العريقة، أبطلت كل هذه الحجج الواهية، وعززت الموقف القانوني للمغرب.

ولعل ما يزيد من تراجع نزاع الصحراء المفتعل على أجندة مجلس الأمن، رسوخ القناعة لدى جميع مكوناته، بأنه لا يمكن لمرتزقة البوليساريو أن يصنعوا بؤرة توتر عسكري مع المغرب أو في غرب أفريقيا. أمر تأكد عندما عالج المغرب قضية معبر الكركرات خلال ساعات، دون أن تقود هذه الحادثة إلى تداعيات تذكر على الوضع الأمني أو العسكري في الإقليم.

هذا الوضع لقضية الصحراء داخل مجلس الأمن، يعتبر في صالح المغرب، ويسبب الجنون والهياج عند خصومه، الذين يبذلون الغالي والرخيص في محاولاتهم اليائسة للإيحاء بأن هناك توترا على جانبي الحدود، عبر البلاغات العسكرية الوهمية التي لا تجد من ينشرها سوى وكالة الأنباء الجزائرية، للقول بأن هذا التوتر يهدد السلم والأمن الدوليين، بطريقة تستدعي تكريس القوى العظمى لمجمل وقتها من أجل حل هذه القضية.

ثاني الثوابت يقول، أنه يصعب إحداث أي تغيير في قرارات مجلس الأمن، التي ترحب بها المملكة المغربية دائما ويندد بها خصومه. وهو وضع غير مرشح للتغيير في المدى المنظور، نظرا لكون الولايات المتحدة هي “حاملة القلم” المكلفة بصياغة قرارات مجلس الامن المتعلقة بقضية الصحراء، وهي تعتبر المغرب أبرز حليف لها في القارة الأفريقية، وبين الدول العربية والإسلامية، وذلك قبل أن تعترف بسيادته على صحرائه، فلا يتصور أن تصوغ قرارات تدرك أنها يمكن أن تلحق الضرر بحليفها المغربي. نفس الموقف، وإن كان بدرجة أقل، يصدر عن بريطانيا وفرنسا، اللتان تعتبران مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، هو الأساس الأكثر واقعية لإقفال هذا الملف، وهو ما يحسب بدوره لصالح المغرب. أما روسيا والصين، العضوين المتبقيين ممن لهما حق النقض ويتمتعان بالعضوية الدائمة، فلم يسبق لهما استخدام الفيتو تجاه أي قرار ينصف الموقف المغربي، أو تعارضه الجزائر، وهما في مقدمة الدول التي لا تميز في علاقاتهما التجارية مع المغرب بين أقاليمه الجنوبية وباقي مناطق المغرب. هذا الاصطفاف الدولي لصالح الطرح المغربي في هذا النزاع المفتعل، يسبب الجنون للجزائر وربيبتها البوليساريو، ويجعل جميع جهودهما الدولية مضيعة للجهد والوقت والمال.

الثابتان السابقان، يقودان إلى ثابت ثالث، بل ربما انبنيا عليه، والمقصود ثابت إغفال ذكر الاستفتاء في قرارات مجلس الأمن، بل وإقفال نافذة إعادة إحيائه، حتى لو أدخله الجزائريون في نشيدهم الوطني، وذكروه في جميع بلاغاتهم، واعتبروه عصب سياستهم الخارجية! فهذا الإغفال لخيار الاستفتاء لم يأت إلا بعد سنوات من المحاولة للقوى الدولية لتنظيمه، قبل أن تسهم الجزائر والبوليساريو تحديدا، في تعطيله وإيصال الجميع إلى القناعة باستحالته، نظرا للعراقيل التي وضعاها أمام عملية تحديد هوية من يحق لهم المشاركة فيه (أي الاستفتاء). وفي غياب الاستفتاء، لا يتبقى للمنتظم الدولي خيارات أخرى للتأكد من أن سكان الأقاليم الصحراوية مسؤولون عن إدارة شؤونهم سوى مبادرة المغرب للحكم الذاتي، والتي تكرسها ممارسات الصحراويين على الأرض، ومشاركتهم بكثافة في جميع الاستشارات الانتخابية المغربية، سواء التشريعية أو المحلية، وهو ما يعتبره العالم -باستثناء الجزائر وبضع دول هامشية أخرى- ترجمة حية لتقرير مصير هؤلاء السكان، وتجسيدا عمليا لانتمائهم المغربي، وتزكية لا تحتاج لتنظير حول إمساك هؤلاء السكان بزمام إدارة أمورهم، بطريقة يحسدهم عليها جميع سكان المحافظات الجزائرية!!

وأمام هذه الثوابت، ما هي أبرز المتحولات ؟ يمكن الإجابة بثقة، أنها تتلخص في مزيد من الضغط الدولي الذي مورس وسيمارس بشكل أكبر على الجزائر وصنيعتها البوليساريو، من أجل التوقف عن ترديد أسطوانة الاستفتاء المستحيل، كوسيلة يتيمة لتقرير المصير، والجلوس إلى طاولة المفاوضات لنقاش تفاصيل مخطط الحكم الذاتي، بعد أن انتفت الخيارات الأخرى. ضغوط لا تكتمل سوى بالتصريح علنا “بثمن” استمرار العناد الجزائري، وهو ما يدور حتى الآن في الغرف المغلقة. فعدم رضوخ الجزائر والبوليساريو للواقع الدولي، والجلوس لنقاش مقترح الحكم الذاتي، سيقود الأمم المتحدة إلى اعتماد “خيار كوفي عنان” وفرض الاعتراف بهذا المخطط، دون أن يكون للطرفين دور فيه، لتأتي بعدها خطوة فرض إعادة المحتجزين الصحراويين في تندوف إلى وطنهم الأم، وإقفال هذا الملف للأبد.

كخلاصة، يمكن اليوم وضع عبارة العاهل المغربي الملك محمد السادس الخالدة: “المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها” في خانة القراءة الدقيقة للواقع، وليس في خانة الأمنيات، كما يحلو لخصوم المغرب التشويش، وهي مقولة تترجم الثوابت التي تحدثنا عنها، والتي يتزايد اعتراف العالم بها يوما بعد آخر، وسيضطر خصوم المغرب للتعامل معها بدورهم، أو مواجهة خطر الهزيمة التاريخية التي ستنهي وجودهم نفسه!!

اقرأ أيضا

الجزائر وفرنسا

بعد أن بات في عزلة تامة.. النظام الجزائري يحلم بالتقارب مع فرنسا

بعد أن أغرق النظام العسكري الجزائري البلاد في عزلة تامة بسبب حربه القذرة ضد الوحدة الترابية للمملكة، لم يعد أمام الكابرانات إلى العودة للتودد لباريس، كما فعلوا مع مدريد،

رداً على الهجمات الإسرائيلية.. الأمم المتحدة: نعارض أي هجوم ينتهك سلامة أراضي سوريا

قالت الأمم المتحدة إنها تعارض أي هجوم ينتهك سلامة الأراضي السورية ووحدتها، وذلك تعليقا على الهجمات الإسرائيلية على مواقع في سوريا. وفق ما ذكرته وكالة "الأناضول"، مساء اليوم الثلاثاء.

الجزائر وجنوب إفريقيا

للتغطية على فشله.. النظام الجزائري يستنجد بجنوب إفريقيا لمعاكسة المغرب

مع توالي الاعترافات بمغربية الصحراء، يضيق هامش المناورة أمام النظام العسكري  الجزائري بخصوص أطروحته الانفصالية الواهية، ما يدفعه، من حين لآخر، لسلك خطوة خبيثة جديدة،