شكلت لحظة توشيح، عبد الإله التهاني ، مدير الاتصال والعلاقات العامة بوزارة الاتصال، بوسام الاستحقاق المدني من المملكة الإسبانية؛ مناسبة لاستحضار مسار علاقات التعاون بين البلدين وما عرفته من فترات توتر وانفراج، ساهم في تأجيجها أو إخمادها، دبلوماسيون إسبان، كانت الرباط محطة فارقة في حياتهم المهنية، وسبيلا لارتقائهم إلى مناصب أرفع أو ذهابهم إلى مناطق الظل.
فوزير الخارجية الأسبق، على سبيل المثال، ميغل موراتينوس، عمل بسفارة بلاده بالرباط، والسفير”خورخي ديثكيار ” ترك مكتبه بالرباط ليستبدله بمهمة حساسة هي الإشراف على إدارة الاستخبارات الخارجية على عهد حكومة خوصي ماريا أثنار، وهو الذي ساهم (ديثكيار) بحنكته وبعد نظره في إنقاذ العلاقات بين البلدين من الانزلاق نحو هوة عميقة، جراء تعنت رئيس الحكومة اليميني الأسبق.
وخلال الأزمات التي واجهها البلدان، في عهد الحزبين الكبيرين (الاشتراكي والشعبي) اللذين تبادلا حكم بلديهما، لم تمارس الصحافة الإسبانية، في كثير من الأحيان، الدور المستقل الموكول إليها في الإخبار الموضوعي والإسهام في تلطيف الأجواء؛بل كثيرا ما صبت الزيت على النار باتخاذها مواقف مسبقة وغير ودية حيال المغرب، مهما كانت طبيعة الخلاف الثنائي.
ويعود الموقف المنحاز بل المتحامل لبعض الصحافيين الأسبان، إما لحداثتهم في ممارسة المهنة وعدم إلمامهم، بحكم السن والتجربة، بتعقيدات العلاقات بين البلدين الجارين، وكذلك لتقصير من جانب المغرب؛ مثلما أن بعضهم وقع ضحية دعاية خصوم وحدتنا الترابية الذين تسللوا إلى الرأي العام الإسباني الذي صدق أباطيلهم.
وربما يرجع السبب الثاني إلى اعتقاد خاطئ من لدن النخب الإسبانية مفادها أن المغرب بلد فرانكفوني، ناسين أن آلاف المغاربة يتحدثون لغة بلادهم، كما يقبل الشباب بصورة متزايدة، على تعلمها في معاهد “ثيرفانتيس” المتواجدة في عدد من المدن المغربية
وفي هذا السياق، حرص السفير الإسباني”ريكاردو دييث هوسليتنر” على إقامة احتفال في مقر إقامته بالرباط، مساء الثلاثاء الماضي، جرى خلاله توشيح “عبد الإله التهاني” بالوسام الملكي، كالتفاتة من إسبانيا نحو بلادنا، على اعتبار أن الوسام هو واحد من جملة أوسمة أنعم بها الملك، فيلبي السادس، على مجوعة من الفاعلين المغاربة، تقديرا لجهودهم وعملهم في الخفاء والعلن،على تعزيز العلاقات بين الجارين، في كافة المجالات، مرجئين المشاكل العابرة والعالقة الموروثة عن الماضي.
وخلت الكلمتان المتبادلتان بين السفير، والمحتفى به، وسط حضور نوعي، من مجاملات بدون معنى. الأول أعرب عن ثقته في مستقبل العلاقات، مشيدا بالمسؤولين المغاربة من طراز “التهاني” الذي نجح في تذليل صعوبات طالما اشتكت منها الصحافة الإسبانية، حين يحل موفدوها بالمغرب، بينما أكد الحائز على الوسام، أنه مارس واجباته حيال بلاده بروح الوطنية الإيجابية والبناءة، متفهما متطلبات الجسم الصحافي في جارتنا الإيبرية، مبرزا انفتاح المغرب على وسائل الإعلام المتسمة بالمصداقية، بصرف النظر عن مرجعياتها، داعيا، بالمناسبة إلى الإصغاء للغة الجغرافيا.
يجب التنويه، أن السفير الحالي، الذي لم تمض بعد سنة على تعيينه ببلادنا، اختاره وزير خارجية بلاده “مارغايو” بعد تفكير عميق بالنظر إلى الظروف السياسية التي تجتازها بلاده؛ وبالتالي اختياره بإجماع الطبقة السياسية الإسبانية لعدة اعتبارات: فالوزير مقتنع بضرورة تعميق التعاون بين البلدين، في الشدة والرخاء، وخاصة بعد أن تأكد الحزب الشعبي أن المغرب، يظل الحليف الأوفى حين التصدي المشترك للإشكالات الأصعب.
والواقع أن السفير “ريكاردو” ليس غريبا على المغرب، فهو يعرفه كدبلوماسي خبير، عمل في سفارات ببلاده بالخارج وأيضا في قلب وزارة الخارجية بمدريد.
وكان تعيينه عام 2002 أمينا عاما للبلاط الملكي، مناسبة ليقترب أكثر من ملف العلاقات المغربية الإسبانية واطلاعه على عمق الصداقة التي تربط رمزي سيادتهما الملكين محمد السادس وفيليبي السادس.
ظل السفير في قصر “لارثارثويلا ” إلى جانب الملك خوان كارلوس لغاية العام 2011. وبالتالي فهو يحظى بثقة العاهل الإسباني، ماضيا باعتباره أحد العاملين في القصر الملكي وحاضرا، بتمثيله لدى صديقة هي المملكة المغربية. وفضلا عن ذلك فإن الدبلوماسي العريق، يتمتع بتقدير الحزبين: الاشتراكي العمالي والشعبي.
ونجح السفير خلال مدة وجيزة، في تجاوز أزمات صغيرة نشبت بين البلدين، كان يمكن أن تتطور قبل تعيينه، نحو أبعاد أسوء، خاصة وأن أقلاما صحافية أخلت بواجبها في تنوير الرأي العام وإنصاف الحقيقة.
ويسعى السفير، ريكاردو دييث، إلى محو المخلفات السلبية للأزمات السابقة، من خلال تيسير وتقوية الأواصر المهنية بين الجسم الصحافي والإعلامي في البلدين من جهة والقطاعات الأخرى النافعة للبلدين ؛الأمر الذي انعكس في تعامل الصحافة الإسبانية في المدة الأخيرة بموضوعية لافتة مع الشأن المغربي، مقارنة بالماضي، كما أن المسؤولين في الخارجية الإسبانية، بدءا من الوزير “مارغايو” وكذا على الصعيد الأمني والاستخباراتي، يجهرون كلهم أن استقرار المغرب وأمنه أصبح يشكل بالنسبة لبلادهم هاجسا وأسبقية.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى الزيارة الناجحة قام بها أخيرا إلى مدريد، عبد الحق الخيام،رئيس المركز المغربي للأبحاث القضائية، بديل أن ثلاث صحف كبرى: “الباييس، أب ث ولافانغوارديا ” أجرت مع المسؤول الأمني الرفيع ثلاثة أحاديث صحافية مطولة.
وإن موقف مدريد الأخير في مجلس الأمن من نزاع الصحراء المغربية، لأفضل دليل على وئام واعد، بين مدريد والرباط.