في هذا الحوار مع “مشاهد24″، يشرح الدكتور سمير بنيس، المتخصص في قضية الصحراء والعارف بدهاليز الأمم المتحدة بحكم اشتغاله داخلها منذ سنوات، كيف أن المغرب انتبه إلى أهمية الحصول على دعم روسيا والصين لقضية الصحراء المغربية، ويتحدث عن تصريحات بان كي مون حول القضية الوطنية وكيف شكلت خروجا عن دوره كأمين عام للأمم المتحدة.
سبق وأن قلت أنه يتعين على المغرب عدم التعويل كثيرا على الولايات المتحدة في قضية الصحراء، والسعي وراء دعم الدول الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن مثل روسيا والصين. كيف تقرأ زيارة الملك محمد السادس إلى موسكو، والتي جاءت في أعقاب تصريحات بان كي مون حول الصحراء، وكيف ترى الموقف الأمريكي بعد الضجة التي أثارها الأمين العام للأمم المتحدة؟
الزيارة الملكية جاءت في الوقت المناسب، لأنها تزامنت مع الأزمة غير المسبوقة بين المغرب والأمم المتحدة. طبعا، الزيارة جاءت لتعزيز العلاقات بين المغرب وروسيا لأن المغرب فطن في السنوات الأخيرة إلى أنه لا يمكن أن يعتمد فقط على دعم فرنسا والدعم غير الواضح والغامض للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة منذ مجيء الرئيس الحالي باراك أوباما.
يجب أن نعلم أنه في 2007، التغيير الذي وقع في مجلس الأمن كان بفضل الإدارة الأمريكية على عهد جورج بوش، والعارفون بالموضوع سيتذكرون أنه ما بين 2007 و2008 كانت كوندوليزا رايس قد بعثت رسائل إلى الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن تحثهم فيها على تبني بيانات وتصريحات تدعم فيها مشروع الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب. إلا أن روسيا وبريطانيا كان لديهما تحفظ ولم تقوما بما طلبته منهما الإدارة الأمريكية.
إقرأ أيضا: الشيخ بيد الله: مقترح الكومنولث في الصحراء مرفوض ..مرفوض
إلا أن الدعم لمشروع الحكم الذاتي فقد شيئا من زخمه مع مجيء الإدارة الأمريكية الديمقراطية، لذلك انتبه المغرب إلى هذا الأمر وسعى إلى توطيد علاقاته مع روسيا والصين، وخصوصا أنه من المحتمل أن لا تدعم الإدارة الأمريكية المغرب مستقبلا ويتكرر سيناريو 2013. لذلك كانت التوجه نحو روسيا صائبا لكسب دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، كما أن الزيارة كانت شيئا ما ورقة ضغط على الإدارة الأمريكية لإرسال رسالة مفادها أن المغرب غير مستعد ليكون دائما حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة دون أن تقدم هاته الأخيرة أي إشارات تقدير لهذا الحليف.
المغرب يلزمه الحصول على دعم واضح من قبل الإدارة الأمريكية لمشروع الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد من أجل الوصول إلى حل سياسي لقضية الصحراء. هذا ما يفسر ربما أن الولايات المتحدة قدمت دعما ضمنيا نوعا ما للمغرب في خضم التوتر القائم بين المغرب والأمم المتحدة.
بالعودة إلى تصريحات بان كي مون التي أغضبت المغرب. ما هي في نظرك الأسباب التي دفعت الأمين العام للمتحدة ليخرج عن الحياد المفترض فيه ويدلي بتصريحات اعتبرها المغرب منحازة للطرف الآخر؟
عندما نقوم بمراجعة لكل مواقف الأمين العام منذ 2007، يتبين أن هذا موقف شخصي له. هو يرى ضرورة منح الصحراويين حق تقرير المصير، وهذا ما يتنافى مع الولاية الممنوحة له من طرف مجلس الأمن. يجب أن نتذكر أنه ثلاثة أشهر بعد تنصيبه في 2007، حدث تغيير في المسار السياسي الأممي. فالقرار 1754 دعا الأطراف المعنية، المغرب والبوليساريو والجزائر، إلى التحلي بالواقعية لتقديم مقترحات من شأنها التوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين، ويفضي إلى تقرير المصير. غير أن المشكل يكمن في أن الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي كريستوفر روس يقرآن مفهوم تقرير المصير من خلال الضيق. فالحكم الذاتي يمكن أن يكون شكلا من أشكال تقرير المصير، وهو يتماشى مع القانون الدولي خاصة القرار 25-26 المؤرخ في سنة 1970.
إقرأ أيضا: الزيارة الملكية لروسيا.. ماذا قال عنها مسؤولون روس؟
ما تجب الإشارة إليه هو أنه لما وضع مفهوم تقرير المصير، كان ذلك من أجل استتباب السلم والأمن الدوليين. ويجمع الأكاديميون أنه إذا كان هدف تحقيق السلم والأمن مهددا، يجب البحث عن تصورات أخرى من شأنها أن تساعد في تقرير المصير لكن بعيدا عن مفهومه الضيق.
استعمال الأمين العام للأمم المتحدة لعبارة “احتلال”، يظهر أن لديه أجندة شخصية، وأنه يتعاطف مع البوليساريو، وبذلك يكون قد انحاز عن الولاية الممنوحة له من قبل مجلس الأمن. هذه الولاية واضحة حيث أنها تطلب منه مساعدة الأطراف المتنازعة على الوصول إلى حل سياسي ومتوافق عليه.
ما زاد من فداحة ما قام به الأمين العام للأمم المتحدة، هو أنه خلال لقائه بوزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار قدم اعتذاره عن استخدامه لفظة “احتلال”، وكان من المفترض أن يقوم بنفس الشيء في البيان الصحفي، لكنه عوض ذلك أصر على استعمال نفس الكلمة وعبر عن امتعاضه من المغرب والشعب المغربي بعد المسيرة التي نظمت ضده.
هذا يبين أن الأمين العام للأمم المتحدة انحرف بشكل كلي عن دوره. الأمين العام للأمم المتحدة لا يقرر، بل هو موظف يخضع لرقابة مجلس الأمن. والمفروض في الأمين العام أن يقوم بالمساعي الحميدة ويعمل على ردم الهوة بين الأطراف المتنازعة وتقديم التقارير والتوصيات، في حين تبقى لمجلس الأمن الكلمة الأخيرة، إما الأخذ بهذه التوصيات أو اتخاذ القرارات بناء على تصورات مجلس الأمن والمسؤولية الموكلة إليه بحفظ الأمن والسلم الدوليين.
هل تعتقد أن الخلاف الذي نشب بين المغرب والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، سيستمر كخلاف مع شخص الأمين العام وسيزول بانتهاء ولايته، أما أن هذا الوضع أدخل المغرب في موقف متشنج مع منظمة الأمم المتحدة نفسها. في هذه الحالة كيف ترى موقف المغرب خصوصا وأن الطرف الذي وقع معه الخلاف هو منظمة أممية وليس دولة؟
لا أظن أن المغرب سيدخل هذه المتاهة. فمنذ إثارة الأزمة من طرف بان كي مون، أكد المغرب أنه ليس لديه أي مشكل مع المنظمة. المغرب عضو فاعل في الأمم المتحدة من خلال مشاركته في العديد من مهمات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
إقرأ أيضا: بوريطة يكشف أسباب تعامل المغرب مع ملف الصحراء بارتياح
المغرب لديه مشكل مع الأمين العام والمبعوث الشخصي والموقف المنحاز وغير المسبوق الذي اتخذه بان كي مون. ولعل الاجتماع الذي عقد الخميس الماضي واجتماع أول أمس بين الأمين العام ومجلس الأمن لهما دلالة كبيرة خاصة وهي أن مجلس الأمن لم يصدر أي بيان رئاسي أو بيان صحفي أو قرار فيه إدانة أو امتعاض من المغرب، وهذا يظهر تفهما من طرف الدول العظمى وأصدقاء المغرب للأمر على أنه مشكل بين المغرب والأمين العام، وهذه هي الرسالة التي حاولت فرنسا أن ترسلها يوم الخميس الماضي إلى الدول الأعضاء.
هناك أيضا نوع من الامتعاض من الأمين العام من قبل أعضاء مجلس الأمن لأنه قام بشيء لم يقم به أي أمين عام سابق. فعوض أن يساعد على ردم الهوة كما قلت سابقا، وتقريب وجهات النظر ومساعدة الأطراف على التوصل إلى أرضية للنقاش تفضي إلى حل سياسي، جاء إلى تندوف في الشهور الأخيرة من ولايته الثانية، وأدلى بتصريحات كان يمكن أن تتسبب في حرب بين البوليساريو والمغرب، وهو ما يتعارض كلية مع ما ينبغي أن يقوم به كأمين عام للأمم المتحدة.