امتنع سفير أنغولا لدى الأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن للشهر الحالي إسماعيل كاسبر مارتينز عن إعطاء أية تفاصيل عما يدور داخل اجتماع أعضاء مجلس الأمن المخصص لبحث الوضع داخل البعثة الأممية في الأقاليم الجنوبية، في أعقاب طلب المغرب من 84 من أصل قرابة ال 500 عنصر هم قوام البعثة مغادرة أراضيه، والذي يعد أحد انعكاسات مشكلة بان كي مون مع المغرب ، مكتفيا بالقول: “لكل مشكلة حل”، ومؤكدا أن هاجس الأعضاء المجتمعين هو ضمان الاستقرار للبعثة الأممية.
مجلس الأمن الذي أدرج القضية أمس الخميس في مداولاته بشكل مستعجل يجد نفسه في وضع حرج، عبّر عنه الناطق باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك بالقول أن “هذا القرار غير المسبوق” صعب التحقق خلال مهلة الأيام الثلاثة التي منحها المغرب، وأن من شأنه أن يشل البعثة بشكل كامل، لاسيما وأن الأشخاص المعنيين فيهم سائقون ومهنيو اتصال، مما يطرح علامة استفهام حول قدرة البعثة برمتها على الاستمرار.
هذه التطورات المتلاحقة التي ترتبت على خلط الأمين العام “لآرائه الشخصية” –على حد تعبير الناطق باسمه- بالمهام الموكلة إليه، والتي تتطلب منه إبداء أكبر قدر من الحياد، والالتزام بقاموس مصطلحات الأمم المتحدة، وما رتب على ذلك من تصعيد لا زال يطبع علاقته بالمملكة المغربية، تأتي في وقت يبدو مجلس الأمن أبعد ما يكون عن الاحتياج للانشغال بهذه الجبهة “الهادئة” في وجود أخرى أكثر سخونة في اليمن وسوريا وليبيا وغيرها، وما استمرار مداولات المجلس حول هذه القضية، وعدم قدرته على الخروج بحلول سريعة لها إلا دليل على صعوبة إيجاد توافق بين أعضائه حول كيفية إنزال المنظمة الأممية عن “الشجرة” التي وضعها فوقها الأمين العام بتصريحاته غير المسؤولة، دون الاضطرار إلى توجيه ما يشبه اللوم أو الإهانة العلنية له على تجاوزه لصلاحياته، كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية ذلك تجاه رجل يستعد لمغادرة مقعده بعد شهور قليلة.
تفاعلات الأمر، من شأنها أن تلقي بظلالها على التقرير المتوقع من قبل الأمين العام، والذي هو في طور الإعداد الآن. فمزيد من التصعيد في لهجة التقرير، وإغفاله للتوازن عند الحديث عن التزامات الطرفين، لا يمكن إلا أن يفسر بكونه “انتقاما شخصيا” في سياق خصومة مستمرة مع المغرب. في المقابل، يبدو صعبا انتظار ظهور بان كي مون بمظهر المتراجع أمام التصعيد المغربي لاسيما وأن ولايته أصبحت وراءه، وذلك رغم التفهم الذي قوبل به الموقف المغربي من قبل العديد من القوى الدولية، تقديرا لمكانته ودوره في حفظ السلم في أكثر من بقعة من بقاع الأرض. ورطة ستجيب عليها الأيام القليلة القادمة، لاسيما إذا أحسن مجلس الأمن تقديم “سلّم” يستطيع بواسطته كي مون أن يهبط من على الشجرة التي اعتلاها بزلات لسانه، وربما “توجيهات” من ورطوه.
الأكيد أن بلدا بمثل أهمية المغرب، إقليميا ودوليا، لا يمكن أن يقبل بالمساس بما يعتبره خطوطا حمر من قبل أي موظف أو مسؤول أممي مهما علا شأنه، متسلحا في ذلك بوحدته الوطنية التي بدت واضحة للعيان من خلال حناجر الملايين التي هبطت للشوارع في الرباط والعيون، ناهيك عن استقراره وتماسكه الداخلي، وعلاقاته الدولية مع القوى الكبرى التي تحسن تقدير هذه الأهمية التي يمتلكها المغرب في هذا الجزء المضطرب من العالم.