صاغ العاهل المغربي محمد السادس خطاب الحرب على الإرهاب من زاويتين أقل تناظرا، لكنهما متقاربتان في تجفيف منابع التطرف ودعم الاستقرار، من خلال الانخراط في بناء مجتمع الديموقراطية والانفتاح والتسامح. ينصرف الأول إلى ترسيخ أسس الديموقراطية المحلية التي ترفع الأعباء عن الدولة المركزية وتحقق مشاركة أوسع في تدبير شؤون المواطنين، وتستقر الثانية عند رفض استخدام المساجد للشحن الفكري والاستقطاب الذي يتخذ من المسألة الدينية عناوين في الاستمالة والتأثير على ضعاف العقول.
المزيد: الملك محمد السادس يؤكد على أولوية ضمان أمن المغاربة
تجاوزت النبرة النقدية في المكاشفة بأوضاع اقتصادية واجتماعية هشة نطاق التشخيص وعرض الواقع بكل تشوهاته وتناقضاته، كما جاء في خطاب عيد الجلوس الذي حذر من وجود حوالى ثلث سكان المغرب تحت حافة الفقر والتهميش واليأس. واهتمت بتوجيه الناخبين إلى استخدام حقهم الدستوري وواجبهم الوطني في الاقتراع لاختيار المؤهلين بالنزاهة والصدقية وخدمة الصالح العام. ولم يكن تحديد مسؤوليات واختصاصات المجالس المنتخبة ضرباً من الاستقراء السياسي والقانوني، بقدر ما كان إنصاتاً للأدوار التي تضطلع بها المؤسسات التنفيذية والاشتراعية والقضائية كافة، ما يعني أن المغرب من خلال تعويله على تطوير الديموقراطية المحلية وتعزيز روافدها بالنظام الجهوي الذي يقترب إلى مستويات الحكومة والبرلمانات المحلية، إنما يروم معاودة خلخلة البناء السياسي التقليدي لاستكشاف مزايا تقويض الصلاحيات.
ولئن كان تعديل دستور الأول من تموز (يوليو) 2011، حسم إشكالات توازن السلطات إلى درجة نقل بعض اختصاصات المؤسسة الملكية إلى رئاسة الحكومة والبرلمان، فإن الطبعة المنقحة لخيار الجهوية الموسعة، تمضي على الأقل من الناحية النظرية على طريق إقامة أقطاب محلية بموارد واختصاصات أكبر. وساعد قرب المغرب من جوار أوروبا في تمثل نماذج الحكم الذاتي التي أسعفت دولاً أوروبية، مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا، في تطوير أداء الدولة التي لا تحتكر القرارات.
أي علاقة بين هذا التصور والانخراط في منظومة الحرب على الإرهاب؟ يأتي الجواب من خلال اتخاذ المغرب إجراءات اضطرارية شملت فرض نظام التأشيرة على المواطنين الليبيين والسوريين، والتلويح بضرورة الإذعان لمقتضيات القوانين السارية المفعول، في الابتعاد من استخدام المساجد ونشر أفكار مذهبية تناقض وحدة العقيدة والمذهب. ولئن كان القرار في حد ذاته يبعث على الأسف، فإن إشكالات النزوح واللجوء لم تعد تفرض نفسها، من منطلق التأثير السلبي للأزمات التي يعانيها بعض البلدان العربية في مناطق التوتر المشتعلة فيها، وإنما من خلال السعي إلى إيجاد حلول عاجلة لهذه المعضلات التي ما انفكت تتعاظم. فهي تتسم بالخطورة في بعدها الإنساني الذي يؤرق المضاجع، لكنها تزيد حدة في بعض الحالات، إذ ترتبط بمحاولات تصدير صراعات المذاهب والأفكار، عبر الظاهرة الإرهابية عابرة القارات.
المزيد: نص الخطاب الملكي كاملا بمناسبة الذكرى62 لثورة الملك والشعب
الأرجح أن العاهل المغربي حين عرض مأساة النزوح الجماعي الذي لا يستثني أي بلد عربي أو أجنبي، كان يرغب في قرع جرس الإنذار حيال استفحال هذه المعضلات، ومهد في خطابه لهذا التوجه، عبر الدعوة إلى تسريع حلول سياسية لأزمات صراع السلطة وإقرار المصالحة ونبذ سياسة الإقصاء والتهميش. غير أنه من خلال التركيز على أسبقيات ترتيب البيت الداخلي، على إيقاع مواجهة التهديدات الأمنية وتثبيت مظاهر الاستقرار وتقوية رهان المشاركة السياسية، يطرح بديلاً موضوعياً محوره أن توسيع حجم ومجالات المشاركة في اتخاذ القرار محلياً وعلى الصعيد الوطني، يدفع المواطنين إلى الانصراف إلى العمل الجدي، بدل الاستسلام إلى اليأس والتذمر الذي يفرز ممارسات مشينة.
بين التهديدات الأمنية والتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يتحرك المغرب على إيقاع متعدد الأطراف والمجالات. فقد أبدى انفتاحاً كبيراً في دمج المهاجرين المتحدرين من أصول إفريقية وعربية واستضاف أعداداً متزايدة من النازحين، لكنه لا يملك الإمكانات لتنفيذ سياسة طموحة كهذه. وقد يكون العاهل المغربي من خلال تركيزه على النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، عبر آلية الديموقراطية المحلية، أراد التنبيه إلى أن في الإمكان استيعاب أكثر التحديات ثقلاً بأقلها كلفة، ألا وهو دعم خيار الديموقراطية والمشاركة.
*كاتب صحفي/”الحياة”