حصلت أشياء كثيرة منذ آخر مقال كتبته هنا. ذهبت إلى المغرب وعدت، وعندما نسافر تتغير أشياء فينا. ليس فقط الأماكن الجديدة التي نراها والأشخاص الجدد الذين نلتقيهم. لكن هناك أشياء أخرى تعتمل في داخلنا. تتحرك صخور وتُزاح أخرى. أؤمن أن في داخل النفس الإنسانية أسواراً صخرية، بعضها نجدها فيناً وفقاً للبيئة التي ننشأ فيها، وبعضها نبنيها لأنفسنا مع الزمن وتراكم الخبرة بالتجربة والخطأ. ومع كل سفر جديد نغير في هذه الأسوار، قد نُعلّيها أو نزيح بعض صخورها ونفتح فجوة. التقينا بكتّاب وأساتذة جامعة، اعتدنا في الشرق تسمية أساتذة الجامعة «دكاترة» لكن هناك لم نسمع لقب دكتور، الكل كان أستاذاً وكفى، وقيمته كانت في مخزون علمه وتواضعه الجم وكرم أخلاقه وليس في ألقابه. وتذكرت كاتبة تصر أن تسبق اسمها كلما قدمت نفسها بـ «الدكتورة» وذلك الكاتب المغمور الذي لا يرضى إلا أن يسمى بالدكتور الأديب، قد يكونوا قد تحصلوا على درجة الدكتوراه في تخصص لا علاقة له بالأدب مثل تصليح الثلاجات مثلاً وربما في الأدب، ولكنهم يُصرّون أن يكون ما يقدمهم هو لقبهم وليس أدبهم. في المغرب لا أحد يأبه لهذا. فالكل سواسية لا فرق بينهم إلا بالإبداع والعمل الدؤوب.
كنا في ملتقى للسرد يقرأ فيه نقاد مغاربة نصوصنا المتواضعة، وكان أكبر كاتب فينا إنجازه أقل من أصغر كاتب لديهم، ورغم ذلك عاملونا كما لو كنا نجوماً في سماء الأدب وهم تلاميذ. هو التقدير المغربي للكلمة المكتوبة، لجوهر الأدب، وللضيف الزائر، وللتجربة الإنسانية في المجمل. وتذكرت بعض الكتبة الذين ما إن يصدر للواحد منهم كتاب، بغض النظر عن محتواه، حتى يُسمي نفسه «أديب» ويُصرّح بكل «بساطة» بأن عمله القادم سيكون علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي. والبعض يرى حصوله على جائزة ما، من سوق الجوائز العربي الرائجة هذه الأيام، تتويجاً له على رأس الأدب العالمي، فيتقرفص على بساط الصحافة مُنظّراً حول عبقريته اللامسبوقة وإبداعه اللامحدود. وأتساءل هل الغرور دمغة مشرقية نجا منها المغربي؟
جاءوا لحضور ملتقانا من مسافات بعيدة، بعضهم قاد سيارته لثمان وخمس ساعات، و بعضهم قطع أكثر من أربع عشرة ساعة بين سيارة وقطار وحافلة ليحضر الملتقى، وأتذكر ندواتنا الأدبية التي تصفر في أروقة قاعاتها الريح، وأتخيل لو خرج لنا نجيب محفوظ من قبره لما تكبد أحد قطع هكذا مسافة لحضور ندوته.
منذ وطأت قدماي أرض المطار في كازابلانكا، كنت أبحث عن السحر المغربي. ذلك السحر الذي سمعنا عنه كثيراً عندنا، الذي يحول الرجل إلى ضفدع، والمرأة إلى سحلية، ويجعل باقي الشعب طيوراً تطير. أردت أن أطير، أن أعود محلقة بجناحين وتخيلت أنني لن أهبط إلى الأرض مجدداً، سأبقى محلقة مع أسراب الطيور الحرة وستكون المرة الأولى التي يسعدني فيها أن أكون ضمن «سرب».
عدت من المغرب وأنا أدرك أن السحر المغربي الوحيد هو في ذلك الكم من حب الأدب، من التقدير والتواضع، من كرم الضيافة اللامتناهي، من الاجتهاد في العمل، وليس في الخزعبلات التي نظن بأنها يمكن أن تُسيّر أقدارنا وتجعل من شخص لا يطيقنا حبيبا، وتحرك مراكبنا الواقفة، وتفتح لنا صناديق الحياة السوداء.
«ما رأيك بالسحر المغربي؟» سألت أحد الكتّاب المغاربة. قال ضاحكاً، وهو ينظر حوله في سوق شعبي مليء بالباعة المتجولين: انظري حولك لو امتلكنا سحراً حقاً أما كان كل هؤلاء الفقراء أشخاصاً أثرياء؟. تطلعت حولي وأنا أشعر بأن الثراء ليس امتلاء الجيوب ولكنه امتلاء القلوب تواضعاً ومحبة، وقد رأيت المغرب غنياً جداً به.
“الاتحاد” الاماراتية
اقرأ أيضا
شركة تمنع أحد موظفيها من أكل السردين
أثار منشور شارك فيه أحد الموظفين، على صفحة الاعترافات المجهولة التي تنشر فيها تفاصيل محرجة، …
أمريكية تعطي ابنتها جرعة مخدرات لعلاج وجع الأسنان
وجهت اتهامات لأم من ولاية ميسوري الأمريكية بقتل ابنتها المراهقة، بعد إعطائها جرعة مميتة من …
السكوري: 2025 سنة التغيير في مجال التشغيل والتكوين المهني
انطلقت بالجديدة، أشغال الدورة ال 22 للأيام الإفريقية للموارد البشرية، بحضور وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة …