شيخوخة العرب في مرآة بوتفليقة

غزلان جنان
وجهات نظر
غزلان جنان22 أبريل 2014آخر تحديث : منذ 10 سنوات
شيخوخة العرب في مرآة بوتفليقة
شيخوخة العرب في مرآة بوتفليقة
4e9c960df8e27eb42fdc3c8e72c57a91 - مشاهد 24

كانت صورة الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، وهو يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية في بلاده، في 17 إبريل نيسان الماضي، من فوق مقعد متحرك، عاكسة لحالة الشيخوخة التي أصابت القيادات والأنظمة السياسية العربية. لم يكتف الرجل بالولايات الثلاث التي قضاها رئيساً للجزائر منذ عام ١٩٩٩، وأصر على البقاء على كرسيه الرئاسي “المتحرك” لفترة رئاسية رابعة تمتد حتى ٢٠١٩، إذا كان فى العمر بقية.
عندما شاهدت بوتفليقة على كرسيه المتحرك، قفز سؤال إلى ذهني: كم من بوتفليقة بين الحكام العرب؟ ومررت بخاطري على الأنظمة العربية الحالية، جمهوريات وملكيات وإمارات، فوجدت صورة بوتفليقة تختصر كلاماً كثيراً. فإعادة انتخاب الرجل، على الرغم من تقاعده ومرضه الشديد، تؤكد أنه لا يحكم ولا يتحكم، وما هو إلا مجرد واجهة وغطاء لأجهزة وجماعات وشبكات تدير البلاد من خلف الستار، وترفض أن يتم تغيير قواعد اللعبة السياسية، بشكل قد يضر بمصالحها ونفوذها الممتد منذ أكثر من ثلاثين عاماً. الأمر الذي ينطبق على أنظمة عربية قائمة، كثير منها يملك ولا يحكم. فالأجهزة السيادية (المخابرات والجيش والشرطة والأمن القومي) أصبحت شريكاً فى السلطة والحكم فى العالم العربي، وباتت تتعاطي مع شعوبها باعتبارها مؤسساتٍ فوق الدولة. وهو وضع مقلوب، أصبح فيه بعض الحكام والرؤساء مجرد أدوات فى أيدي أجهزتهم، لا يستطعيون مواجهتها، مثلما كانت عليه الحال أواخر الدولة العباسية، حين كان الوزراء والأمراء المسيطرين والمتحكمين، في حين كان الخليفة مجرد رمزٍ، لا يملك من أمره شئياً.
صورة بوتفليقة هي الأصل وما عداها مجرد سراب. فالرجل بدا مغلوباً على أمره، مجبراً على البقاء على كرسي الحكم، من أجل ضمان مصالحه، ومصالح من يقفون خلفه. هؤلاء جميعاً يستثمرون فى الذكريات الأليمة للتسعينيات، ويلعبون على وتر التخويف والتفزيع من الإسلاميين، ويتشبثون بكلمة “الاستقرار”، من أجل ضمان التأييد الشعبي. وهي الحجة نفسها التي استخدمها من قبل بن علي ومبارك والقذافي والأسد وعلي عبد الله صالح، لكنهم سقطوا غير مأسوف عليهم.
شيخوخة العرب تبدو واضحةً فى وجه بوتفليقة، وجمود أنظمتهم تبدو جليةً فى جمود وتحجر النظام الجزائري الممتد طوال العقدين الأخرين. وكأن الزمن يعيد نفسه. فأول نفحات الربيع العربي كانت قد بدأت في أكتوبر/ تشرين أول ١٩٨٨، مع ما سميت، لاحقاً، انتفاضة الخبز التي أشعلت الحياة السياسية في الجزائر. ولم يكن أمام الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، سوى فتح المجال السياسي، وإجراء إصلاحات دستورية كانت ثمرتها الانتخابات البلدية والبرلمانية، أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، قبل أن ينقلب عليها الجيش، والنخبة الفرنكفونية، وتدخل البلاد في أسوأ حرب أهلية عقداً كاملاً. ومنذ أواخر التسعينيات، ترزح الجزائر تحت حكم الجنرالات الذين يتحكمون فى مصير البلاد والعباد. وقد نجحوا في تفتيت المعارضة وتدجينها، خصوصاً المعارضة الإسلامية، وتحكموا فى مصادر الثروة والسلطة، بالسيطرة على صناعة النفط وثروات البلاد.
منذ كتب مايكل هادسون كتابه الشهير “السياسة العربية… في البحث عن الشرعية”، عام ١٩٧٧، ولا تزال الدول العربية تبحث عن شرعيةٍ حقيقيةٍ، يمكنها أن تحكم من خلالها شعوبها، بعيداً عن شرعية الدم، وشرعية القبيلة، وشرعية القوة. وهي الشرعيات الثلاث التي انكشفت، بوضوح، مع قدوم “الربيع العربي”، حيث لم تصمد أنظمة عتيدة، ظنت أن في مقدورها تحدي رغبة الشعوب في التغيير. حتى تلك الأنظمة التي تحاول، الآن، الصمود أمام “الربيع العربي”، وإجهاض رياحه، تدرك جيداً أن الوقت ليس في صالحها، وأنها سوف تصل إلى الشيخوخة، آجلا أو عاجلا. لذا، ليس غريباً أن بعضها يحاول تصوير الثورات بأنها جزء من “مؤامرة غربية” على العالم العربي، وبعض آخر ينفق أموالاً طائلة، من أجل تشويه هذه الثورات، ومحاصرة قادتها وشبابها، كما هي الحال في مصر. في حين تُمول أنظمةٌ الانشقاقات والانقسامات داخل الثورات العربية، من أجل إفشالها من الداخل، وتحويلها إلى كابوسٍ، ينفر الشعوب من التغيير، مثلما يحدث في الحالة السورية.
ولعل الطريف أن بوتفليقة لم يكن معروفاً، أو مطروحاً، لكي يصبح رئيساً للجزائر، أواخر التسعينيات، وإنما تم دفعه إليها عام ١٩٩٩، بعد أن أمضي وقتاً في الإمارات، وأوتي به من هناك، من أجل خوض الانتخابات التي دخلها منفرداً، بعد خروج بقية المرشحين، اعتراضاً على دعم الجيش له. ومنذ ذلك الوقت، والرجل في منصبه، بفضل دعم الجيش والمخابرات العسكرية له، وهو الذي رفض مراراً إجراء أية إصلاحات هيكلية، من شأنها رفع يد الجيش عن السياسة في الجزائر، وبدء عملية سياسية حقيقية هناك. الأكثر من ذلك أن الرجل، بعد أن وطد قدميه، قام بتعديل الدستور الجزائري، لكي يسمح لنفسه بالترشح للرئاسة فترة غير محدودة، بعد أن كانت مقيدة بفترتين رئاسيتين.
هكذا تبدو الجزائر، كما لو كانت صورة مصغرة لفشل التغيير من أسفل، في وقت تحاول فيه القوى والأجهزة السيادية السلطوية في المنطقة تصدير هذا النموذج وتسويقه، وإعادة استنساخه في بلدان أخرى، كمصر واليمن وسورية وغيرها، ولسان حالهم يقول “كلنا بوتفليقة”.
“العربي الجديد”

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق