أجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس جولته الأفريقية الثالثة وشملت أربع دول أفريقية هي السنغال والغابون وغينيا بيساو وساحل العاج. وتأتي أهمية هذه الجولة في 20 أيار (مايو) الماضي من كونها مكملة للجولتين اللتين أديتا إلى توقيع عشرات من اتفاقات التعاون والتنمية، ما يرسخ حصة الشراكة الاقتصادية بين دول هذه القارة، ويقوي علاقات المغرب مع دول غرب أفريقيا وإقليم الساحل جنوبي الصحراء.
ولا تعطي الجولة المغرب ودوره زخماً في تنمية القارة الأفريقية فحسب بل تعزز أيضاً نفوذ المملكة فيها إلى جانب دولة جنوب أفريقيا والجزائر ومصر. وتفيد التقارير التي ترافقت مع جولة العاهل المغربي والصادرة عن مؤسسات الدراسات المختصة بأفريقيا، بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين واليابان ودول الخليج العربي باتت تنظر اليوم إلى المغرب كبوابة لا غنى عنها في استكشاف فرص الاستثمار الكبيرة في أفريقيا.
هذه الجولة جرى التحضير لها بعناية فائقة، إذ قام وزير خارجية المغرب صلاح الدين مزوار يرافقه عدد من الوزراء ورؤساء أكبر المجموعات الاقتصادية بزيارة هذه الدول المعنية قبل شهر من جولة الملك، بوضع أطر الاتفاقات وفق احتياجات كل بلد أفريقي وقدرات المغرب ومؤسساته على تلبيتها. كذلك جرى الالتزام بتنفيذ التعهدات من دون أي تأخير وذلك ضماناً لنجاح عملية اختراق أفريقيا التي باتت تشكل في هذه المرحلة جزءاً من استراتيجية المملكة الهادفة إلى تنويع شراكاتها وإحياء فكرة تنشيط العلاقات شبه المجمدة منذ أكثر من عقدين والمتعارف على تسميتها بـ «جنوب – جنوب».
ومن أبرز النقاط الأخرى التي استهدفتها الرباط عبر هذه الجولة إطلاق «المنظمة الأفريقية للتعاون والتنمية» التي سيتولى الإشراف على إدارتها «المكتب الشريفي للفوسفات» بشخص مديره العام مصطفى ترّاب. ويتابع الملك شخصياً مع وزرائه ورؤساء الدول الأفريقية إنشاء العديد من وحدات إنتاج الفوسفات والاستكشافات العائدة لها.
إن تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية الذي يقوم به المغرب في شكل منتظم سنوياً يهدف أيضاً إلى تعويض خروجه من الاتحاد الأفريقي الذي عمل عدد من أعضائه لضم الصحراء الغربية إليه. وتمكنت المملكة في السنوات الأخيرة من تسجيل نقاط في هذا المجال عبر البوابة الاقتصادية واتفاقات التعاون التي عملت لاحترامها وتنفيذها، ما دفع بالدول التي زارها الملك في جولتيه السابقتين عامي 2013 و2014 إلى دعم قضايا المغرب وفي طليعتها الصحراء الغربية.
فخلال محطته الأولى في السنغال مثلاً، جرى توقيع 13 اتفاقاً شملت الصناعة والجمارك والزراعة والصيد البحري والسياحة والبيئة. وبذلك ارتفع عدد الاتفاقات التي تجمع هذين البلدين في شراكة اقتصادية شاملة لتصل إلى نحو 120 اتفاقاً ذلك بالإضافة للاستثمارات المغربية الكبيرة ونشاط المؤسسات المالية المغربية في السنغال.
وفي التوجه نفسه كان توقيع الاتفاقات مع الغابون وساحل العاج اللتين تربطهما بالمغرب علاقات سياسية واقتصادية وتجارية قديمة العهد ووثيقة إلى حد كبير، فوجود نحو 50 رجل أعمال لهم علاقة بمجالات الإسكان الاجتماعي والبنية التحتية والسياحة والطاقة ضاعف عدد الاتفاقات الموقعة في السنوات الماضية وشملت المجالات زيادة حجم الاستثمارات في هذين البلدين خصوصاً في الميادين المصرفية والتأمين والعقارات والكهرباء الريفية والصحة. ويشار إلى أن مجموعة «التجاري – وفا بنك» وقعت في ساحل العاج اتفاقاً تستحوذ بموجبه على معظم حصة حكومة البلد في «الشركة العاجية للمصارف» لترتفع حصة المجموعة المغربية إلى 75 في المئة.
أما في ما يتعلق بغينيا بيساو التي أعطاها الملك أهمية خاصة في جولته كون هذا البلد يملك ثروات طبيعية هائلة لكن إمكاناته ضئيلة واحتياجاته كبيرة، فوضعه المغرب على خريطة اهتماماته المستقبلية فغينيا بيساو تريد الاستفادة من إمكاناتها الهائلة غير المستغلة حتى الآن، ومن هنا يأمل المغرب في أن يكون في طليعة الذين يعتنون بتنمية هذا البلد الأفريقي الغني بثرواته (الغاز والفوسفات والذهب والماس والزركونيوم والنحاس) عبر إدخال الاستثمارات التي يحتاجها (تطوير قطاع الصيد البحري وفتح خطوط طيران وإنشاء مصارف مشتركة وبناء مساكن اجتماعية).
المغرب المصمم على تعزيز دوره الأفريقي في السنوات القليلة المقبلة، لم يعد مقتنعاً بالاعتماد بنسبة أكبر من 75 في المئة على الاتحاد الأوروبي وبات يتجه أكثر وأكثر باتجاه دول يستطيع معها نسج شراكات جديدة من دون شروط. من هنا يمكن فهم التصويب باتجاه روسيا والاستفادة من علاقتها المتردية مع أوروبا وتوسعة رقعة التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع الصين. في هذا الإطار يعد مستشارو الملك لزيارته المرتقبة للصين. ويجب عدم التقليل من أهمية الاختراق الحاصل على مستوى أميركا اللاتينية والتقرب من دول «بريكس».
في ظل هذه الاختراقات الأفريقية للمغرب سواء على الصعيدين السياسي والاقتصادي تبرز عوامل انزعاج أدت إلى نشوء توترات في العلاقات مع أوروبا، أدركت باريس محاذيرها وتعمل بجدية لاحتوائها. من هنا جاءت الدعوة الرسمية من رئيس الوزراء مانويل فالس إلى نظيره المغربي عبدالإله بن كيران بالتزامن مع جولة الملك محمد السادس الأفريقية. فالزيارة برفقة عدد من الوزراء ورؤساء المجموعات ورجال الأعمال عملت لتدوير زوايا التوترات وسمحت بالبحث في التعاون المشترك في أفريقيا لكن من بوابة المغرب هذه المرة.
*مدير مؤسسة «ساغا» للاستشارات الاقتصادية – باريس/”الحياة”