بعد الإنخراط في ترتيب خارطة المسار الانتخابي الذي سيُتوّجُ المرحلة الانتقالية «الأخيرة» بدأ في الأسابيع الأخيرة الحديث عن الترشحات الرئاسية المقبلة. فبعد استقالة حكومة علي العريض وصياغة الدستور والانتهاء من ضبط تركيبة الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات وتركيز جهازها التنفيذي والشروع في وضع النصوص الترتيبية، بدأ نسق إنجاز ما تبقى، محكوما بحسابات على غاية كبيرة من الدّقة كي يتلاءم مع أجندات السياسيين في مختلف المواقع.
المتخلون الجدد عن المواقع الحكومية، بعد أن ضمنوا نسبيا تواجدهم في بعض مواقع المسؤولية أو دوائر التأثير، إنتشروا في مختلف الجهات لترميم ما تصدّع، ولشحذ طاقتهم مجدّدا إستعدادا للاستحقاقات القادمة.
بقية الأطراف السياسية المعارضة بعد أن افتقدت جانبا من محرّكات حملاتها وردود فعلها، أصبحت هي الأخرى تعيد ترتيب أمورها لتنظيم إتصالاتها المباشرة وتشرع في تحيين «شعارات» حملاتها السياسية لكسب المؤيّدين ولربح أصوات الناخبين .
في هذا المناخ الّذي ما يزال محكوما بآثار الأزمة الّتي تعيشها البلاد، في إنتظار النتائج الإيجابية الملموسة للزيارات الأخيرة، بدأت أفئدة المتطلعين إلى كرسي قرطاج تهتزّ، وبدؤوا يخمّنون في نحت الصورة الّتي يتراءى لهم أنها ستكون الفاعلة في القاعدة الانتخابية.
و تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن التطلّع للنتائج الإيجابية التي تساهم في تهدئة الوضع الإجتماعي تقلّل من ضغط آثار الأزمة الإقتصادية، لا يُنظر له بنفس المنظار في الأوساط السياسية . إذ أن الأطراف السياسية التي كانت تمسك بالسلطة «تنتعش» سياسيا من تواصل الأزمة ، للتدليل للرأي العام على أنها ليست هي الوحيدة التي فشلت في إدارة البلاد ، و بأن ما عاشته تونس كان لأسباب تتجاوز إرادتها. ولكن انتعاش هذه الاطراف السياسية ، بتسجيل تعثر حكومة المهدي جمعة ، إن تأكّد ، لا يخدمها لسببين إثنين على الأقل :
فالسبّب الأوّل أن من المترشّحين لرئاسة الجمهورية الذين كانوا في السلطة إثر إنتخابات 23 أكتوبر 2011 ، سبق أن فشلوا في إدارة البلاد بطريقة أو بأخرى سواء في الاضطلاع المباشر بإدارة الحكومة أو بالمشاركة في الإئتلاف الحاكم الذي انتهى بالتخلّي عن الحكومة وترك البلاد «جلدا على عظم» كما يقال. أمّا المترشحون من خارج دائرة السلطة، فإنهم بقوا يتحركون في إطار المعارضة «الشرسة» أحيانا أو «النقدية»، أحيانا أخرى وذلك في نطاق ردود الفعل واقتراح البدائل التي لم تغيّر في الأمر شيئا.
أمّا السبب الثاني، فإن تواصل الأزمة لن يخدم أحدا منهم، لأن من سيتولّى الرئاسة ،سيجد البلاد في أسوإ حال.
إن قصر قرطاج لم يشهد في الظروف العادية خروجا عاديا، فبورقيبة أُخرج من قرطاج بانقلاب طبّي، ورُحّل بن علي، قسرا من قصر قرطاج إلى الخليج، والمرزوقي السّاكن المؤقت، يتطلّع إلى «الأفق» علّه يستلهم السُبل للإقامة المستدامة.
إن المترشح لرئاسة الجمهورية، مطالب بأن يتّعض و يتحسّب من منزلقات السلطة، وأن يستعرض من الآن قدراته السياسية على اقتراح الحلول لإخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها البلاد، و يكون بذلك قد «دفع على الحساب» تسبقة للتدليل على وجاهة برامجه الإنتخابية.
“المغرب” التونسية