أسفرت الانتخابات المحلية في تركيا عن فوز عريض لحزب العدالة والتنمية، بحصوله على نسبة كبيرة من أصوات الناخبين الأتراك، زادت على ما توقعته بعض استطلاعات الرأي.
وتزيد النسبة التي حاز عليها الحزب على 45%، فيما لم يحصل حزب الشعب الجمهوري -وهو أكبر حزب معارض- إلا على نسبة 27.91%، أما حزب الحركة القومية، فقد حصل على نسبة 15.16%، وحزب السلام والديمقراطية حصل على نسبة 4.02%، وتقاسمت بقية الأحزاب نسبة الـ7.36% المتبقية من الأصوات.
وكانت آخر انتخابات بلدية شهدتها تركيا، قد أجريت في العام 2009، وفاز فيها الحزب الحاكم بنحو 38.8% من الأصوات، فيما حصل حزب الشعب الجمهوري على نحو 24.69%، وحزب الحركة القومية حصل على 16.49% أما بقية الأحزاب الأخرى فحصلت على 20.17%.
واللافت هو الاهتمام الكبير عربيا ودوليا بهذه الانتخابات، بالرغم من كونها انتخابات محلية تركية.
ولعلها المرة الأولى في تاريخ تركيا، وربما في تاريخ منطقة الشرق الأوسط كلها، التي تحظى فيها انتخابات محلية، باهتمام عربي ودولي واسع، الأمر الذي يعكس دور ومكانة تركيا، التي تمتد مساحتها على 780 ألف كم2، ويعيش فيها 77 مليون نسمة.
صفعة عثمانية
أخذت الانتخابات البلدية التركية، شكل صراع سياسي مفتوح، بل ومعركة “كسر عظم”، بين رجب طيب أردوغان ومعه حزب العدالة والتنمية الحاكم، والداعية الإسلامي “فتح الله غولن”، المقيم في بنسلفانيا الأميركية، ومعه جماعته، التي تتهم بالسعي إلى تشكيل “دولة موازية”، فضلا عن التجاذبات والتنافس بين أحزاب المعارضة التركية، وفي مقدمتهم حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة والتنمية.
ورغم تسريبات فضائح الفساد، وتداعيات إغلاق موقعي تويتر ويوتيوب، والحرب المعلنة مع جماعة الداعية، فتح الله غولن، فإن الفوز الكبير في الانتخابات، جعل رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، يعلن النصر الحاسم، من مقر حزب العدالة والتنمية في العاصمة أنقرة.
واعتبر أن نتائج الانتخابات، هي إعلان انتصار الديمقراطية في تركيا، وأن المعارضة التركية تلقت “صفعة عثمانية”، من صناديق الانتخابات، وهدد خصومه بأن الوقت حان للقضاء عليهم، وأنه لن يسمح بأن تكون هناك دولة داخل الدولة.
وأظهرت نتائج الانتخابات، أن شعبية أردوغان لم تتأثر، بأزمة “غزي بارك” وسواها، بل ازدادت، بالنظر إلى أن التصويت كان تصويتا سياسيا، بالرغم من أن الانتخابات محلية الطابع، تخص الجانب الخدمي، الأمر الذي قد يمهد لبقاء أردوغان في الحكم في المستقبل المنظور، فيما لم تتمكن أحزاب المعارضة من تحقيق اختراقات تذكر في هيمنة حزب العدالة والتنمية، الذي فاز في كل الانتخابات التي أجريت منذ وصوله للسلطة عام 2002.
ويعتبر الفوز -الذي حققه حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات- بمثابة استفتاء على سنوات حكم أردوغان، وتشجعه نتائجها على السعي للاستمرار في الحكم، سواء عن طريق الترشح لرئاسة تركيا في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في أغسطس/آب المقبل، أو تغيير قوانين حزبه، كي يتمكن من تولي منصب رئاسة الوزراء للمرة الرابعة.
ويعزز هذا السعي مسيرة أردوغان، الذي بدأ قبل نحو عشرين عاما كرئيس لبلدية إسطنبول في العام 1994، ثم قاد حزبه إلى سدة الحكم في 2002، ثم فاز في جميع الانتخابات التي خاضها خلال فترتي توليه رئاسة الوزراء التركية، وأثبت أنه المعلم السياسي الأكثر نجاحا في تركيا.
أسباب الفوز
يرى محللون اقتصاديون، أنَّ ما حققه حزب العدالة والتنمية التركي من استقرار اقتصادي، واستقرار مالي، منذ استلامه للسلطة عام 2002، كان السبب الرئيسي وراء نجاحه في الانتخابات المحلية، أي إن التقدم الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، كان بسبب قصة النجاح التي كتبها على مدار 12 عاما، من إدارة الحزب للبلاد.
وتتجلى قصة النجاح تلك في مضاعفة دخل الفرد التركي، وانخفاض نسبة البطالة، وارتفاع مستويات المعيشة، والاستقرار الاقتصادي، والسياسة المشجعة للاستثمار الأجنبي، وبالتالي فإن نتائج الانتخابات، ستكون لها انعكاسات كبيرة على عالم المال والأعمال في تركيا، وعلى ارتفاع أسعار صرف الليرة التركية، وزيادة الاستثمارات الأجنبية، بسبب الاستقرار السياسي، الذي سيعقب الانتخابات.
ولا شك في أن نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، يكمن وراءه النمو الاقتصادي، حيث تشير الأرقام الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية، إلى أنَّ الاقتصاد التركي نما بنسبة 4% عام 2013، مقارنة بعام 2012، وأنَّ حجم الصادرات التركية بين شهري فبراير/شباط 2013 وفبراير/شباط 2014، حققت زيادة بلغت نسبتها 6.2%، مقارنة بنفس الفترة من العام الذي قبله.
يضاف إلى ذلك العديد من الإنجازات والمشاريع الاقتصادية الكبرى، ليس آخرها مشاريع عملاقة، تتجاوز ميزانية 21 مشروعا اقتصاديا منها مجموع ميزانيات 130 دولة في العالم.
وهي مشاريع تتنوع بين مجالات المواصلات، والطاقة، والبنية التحتية، والدفاع، وأهمها مفاعل “سنوب” النووي، الذي تبلغ ميزانيته 22 مليار دولار، ومفاعل “أق كويو” النووي الذي تبلغ ميزانيته عشرين مليار دولار، وقنال إسطنبول التي تبلغ ميزانيتها 15 مليار دولار، ومطار إسطنبول الثالث الذي تبلغ ميزانيته عشرة مليارات دولار، ومشروع “مارماراي” الذي تبلغ ميزانيته خمسة مليارات دولار، ومشروع جسر إسطنبول المعلق الثالث الذي تبلغ ميزانيته 3.5 مليارات دولار، ومشروع إنتاج طائرات هليكوبتر “أتاك” الحربية الذي تبلغ ميزانيته 3.3 مليارات دولار.
ولعل الأهم هو أن حزب العدالة والتنمية عمل على تحقيق المبدأ الأساس في الاقتصاد، القاضي بتحقيق المعادلة الاقتصادية ما بين الواردات والمصروفات، بشكل يؤمن وفرة مالية للمواطن وللدولة والخزينة العامة، ولا يلحق الضرر بها، ولا يضطرها إلى اللجوء إلى الديون الداخلية ولا الخارجية، ويجعلها دولة قوية في ذاتها، وقوية في اقتصادها، وقوية في معاملاتها مع السوق العالمي.
إضافة إلى توفير مناخ سليم للإنتاج والاستثمار، باعتبار أن القدرات الإنتاجية، التي يمكنها الدخول في المنافسة الدولية لها أهمية كبيرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتطبيق السياسات الاقتصادية الناجحة، وبشكل يفضي إلى زيادة الإنتاج والتوظيف والتصدير، بوصفها أسس السياسات الاقتصاديات الناجحة. وهو أمر يتطلب من الدولة أن تقوم بتوفير البنية التحتية اللازمة، من أجل الإنتاج والحث عليه.
سر النجاح
يكمن سرّ نجاح التجربة في أن حزب العدالة والتنمية وضع مناهجه، وأطلق وعوده للشعب التركي، كي تكون أهدافا مشتركة للحزب والمعارضة معا، نظرا لأن منطلقه كان هو العمل مع الشعب التركي، بكافة مكوناته القومية، وتياراته الفكرية، وتلاوينه السياسية.
ولو لم يحقق ما وعد به في الفوز الأول أمام الشعب التركي كله، في الانتخابات البرلمانية عام 2002، لما انتخب أعضاؤه في سائر الانتخابات، ولما زاد عدد أنصاره والمؤيدين له في الفوز الثاني في الانتخابات البرلمانية عام 2007، كما أنه لو لم يحقق ما وعد به في الحملة الانتخابية الثانية، لما فاز في الانتخابات للمرة الثالثة عام 2011، وبفوز أكبر من الفوز الثاني أيضا.
وفي جانب علاقة الدين بالدولة، تمكن حزب العدالة والتنمية من حل إشكالية صراع الدولة مع رجال الدين، التي تجسدت في محاربة الدين والمتدينين، التي أدخلها أتاتورك إلى الساحة التركية، وبدلا من ذلك سار الحزب في طريق التفاهم معهم أو احترام معتقداتهم، الأمر الذي جعل تركيا تحظى بصورة إيجابية لدى جمهور واسع من العرب والمسلمين في سائر أنحاء العالم.
وجاء حل إشكالية الدين مع الدولة، بعد قطيعة ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، استمرت لما يقارب الثمانية عقود، مع الماضي الإسلامي العثماني، وامتدت إلى حاضر تركيا، وعنت تلك القطيعة إقحام الشعب التركي في نموذج حياة جديدة غريبة عنه، من غير أن يكون هو صاحب القرار الفكري والثقافي والاجتماعي فيها، فضلا عن أن يكون صاحب القرار السياسي.
يبقى أن حزب العدالة والتنمية مطالب بحل إشكاليات عديدة، منها ما يتصل بالحريات الفردية والعامة، خاصة بعد حجب موقعي تويتر ويوتيوب، الذي أثار ردود فعل وتجاذبات عديدة، داخل تركيا وخارجها.
ولا يكفي تبرير الحكومة التركية ما تسميه “عرقلة الوصول إلى تويتر”، بعدم امتثال القائمين عليهما لطلبات قضائية تركية، وإغلاق صفحات تنتهك الحريات الشخصية، وتمس أمن الدولة، لأن ذلك يمس الحريات في تركيا.
ولا يتماشى التضييق على الحريات مع مقومات وممارسات الدولة الديمقراطية، بل يجهز عليها، خاصة وأن الشباب يشكلون النسبة الغالبة من مستخدمي تويتر ويوتيوب.
“الجزيرة”
اقرأ أيضا
المفتي العام للقدس يشيد بالدعم الذي يقدمه المغرب بقيادة الملك لدعم صمود الشعب الفلسطيني
أشاد المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ محمد حسين، اليوم الأحد …
المنتدى المغربي الموريتاني يرسم مستقبل تطور العلاقات بين البلدين
أشاد المنتدى المغربي الموريتاني، باللقاء التاريخي بين الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ …
مكسيكو.. مشاركة مغربية في مؤتمر دولي حول حماية البيئة
شارك الأمين العام لحزب الخضر المغربي ورئيس أحزاب الخضر الأفارقة، محمد فارس، مؤخرا بمكسيكو، في مؤتمر دولي حول حماية البيئة.