بقلم: توفيق بوعشرين*
لماذا يفضل المستثمر الأوروبي المغرب على الجزائر؟ هذا السؤال طرح بقوة في الجارة الشرقية بمناسبة الإعلان عن مشروع إنشاء مصنع كبير في القنيطرة لسيارات بوجو سيتروين PSA بكلفة 557 مليون أورو، لكن، للأسف، أغلبية الأجوبة كانت غير عقلانية عند الجيران الجزائريين، ومنهم من استغل المناسبة السعيدة لسب المغرب، واتهامه بسرقة المشروع من الجزائر، لكن وسط هذه الجوقة التي تعمم خطابات خرافية، هناك استثناءات، وهي التي تعنينا هنا لرؤية صورتنا في مرآة جيراننا الجزائريين…
نشر موقع tous sur l’Algérie تحليلا رصينا جوابا عن السؤال أعلاه، وكتب الصحافي، توفيق عبد الباري، ستة أسباب تجعل المستثمر الأوروبي يفضل المغرب على الجزائر، وهو يقول إن هذه الأسباب لا تخص الأوروبيين فحسب، بل تشمل الأمريكيين والصينيين الذين يفضلون المغرب على جاره الشرقي، وأول هذه الأسباب التي تجعل المستثمر الأوروبي يتجه إلى المغرب، وليس إلى الجزائر، هو الاستقرار وفعالية العملية السياسية. يقول الصحافي الجزائري: «بعد رياح الربيع العربي التي هبت على المنطقة سنة 2011، وعد الملك محمد السادس بإصلاحات دستورية وسياسية، وبسرعة نفذها، فأقدم على تعديل الدستور المغربي، ونظم انتخابات سابقة لأوانها سمحت للمعارضة الإسلامية بالوصول إلى السلطة، وهذا ما أعطى فعالية سياسية وإصلاحات اقتصادية واجتماعية قامت بها الحكومة الجديدة، أما في الجزائر فإن وعد بوتفليقة بتعديل الدستور الذي صدر قبل أربع سنوات لم ير النور إلى حدود اليوم، وهو الأمر الذي قاد إلى اختناق سياسي blocage politique. في المحصلة النهائية، المغرب يعطي العالم صورة البلد المستقر والمتحرك، وهذا عامل حاسم primordial بالنسبة إلى المستثمرين، في حين تعطي الجزائر صورة البلد غير المستقر الذي يعيش أزمة سياسية مفتوحة».
بعد هذا العامل السياسي الحاسم، يسرد الموقع الجزائري عوامل أخرى تجعل المغرب متفوقا بدرجات على الجزائر في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، منها التحفيزات الضريبية والمناطق الحرة، والبنيات التحتية التي تخدم الاستثمار وتسهل التصدير والاستيراد، والنسيج المقاولاتي المتنوع، خاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة، والنموذج الاقتصادي المتنوع الذي لا يرتكز على نشاط واحد مثل ما هو معمول به في الجزائر، حيث إن 92 من صادرات البلد مقتصرة على المحروقات. ثم يذكر الموقع الجزائري الأبناك المغربية وقدرتها على تمويل الاستثمارات وسمعتها الدولية.
يحتاج المرء، بين الفينة والأخرى، إلى أن يرى وجهه في مرآة الآخرين، وإذا كانت هذه المرآة عند الجار يكون الأمر أفضل لأن المقارنة يصير لها معنى أكبر.
إن أهم مكسب سياسي حققه المغرب طيلة 15 سنة الأخيرة هو تعديل دستور الحسن الثاني، الذي كان بمثابة حذاء خشبي في الرِجل المغربية يمنعها من النمو، ويجمد التجربة الديمقراطية عند حدود كونها واجهة ليس أكثر، وأن أكثر الانتخابات شفافية عرفها المغرب هي تلك التي أعقبت الربيع المغربي سنة 2011، وأن أكثر تجربة حكومية -إذا استثنينا حكومة اليوسفي- يتابعها الرأي العام في الداخل والدول في الخارج هي حكومة بنكيران، التي ساهمت، مع المبادرات الإصلاحية للملك، في رسم الصورة التي يحظى بها المغرب الآن، والتي دفعت شركة بيجو سيتروين إلى الاستثمار في مصنع للسيارات. هذا كله ماذا يعني؟
يعني أن الشركاء المغاربة جميعا مطالبون بحماية هذه التجربة الجديدة في التحول الهادئ والتدريجي نحو الديمقراطية، وباستثمار الوثيقة الدستورية وعدم تعطيلها، وبالحرص على شفافية الانتخابات في كل أطوارها، والاستمرار في الأوراش الإصلاحية وتعميقها، والحذر ممن يدعو إلى إغلاق قوس الربيع المغربي، وإلى الرجوع إلى ما قبل 2011، وإعادة تشغيل أسطوانة أن الشعب يريد شغلا وصحة ومدرسة ولا تهمه الديمقراطية ولا حكم المؤسسات ولا دولة القانون…
المغرب لا يتوفر على نفط ولا على غاز، والدولة فيه لا تملك مالا تشتري به السلم الاجتماعي، كما تفعل الجزائر الآن ودول الخليج، لهذا يجب الاستثمار في الدينامية السياسية والإصلاحات الديمقراطية، هي وحدها الكفيلة بضمان الاستقرار واستقطاب رؤوس الأموال، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإعطاء المواطن الأمل في غد أفضل وفي مغرب أحسن.
*كاتب صحفي/”أخبار اليوم”