تعاني صورة الرئيس المصري المقبل من تعارض كبير بين حدّين: الحد الاول يعطيه صفات شخصية تكاد تكون خارقة ورؤية سياسية متكاملة وبرنامجاً يحل كل المشكلات المصرية المتفاقمة منذ عقود. بما يضفي على الرجل شيئاً كثيراً من الخيال العلمي، الحد الثاني يجعل من الرجل متآمراً وركيكاً وانقلابياً وقاتلاً للديموقراطية ولتطلعات الشعب المصري في التعددية والرفاه، بما يضفي على الرجل صفات «تشيطنه» وتضعه خارج سياق التطورات التي تشهدها مصر منذ اندلاع حركة 25 يناير.
وربما تلتصق هذه الصورة بالمشير عبد الفاتح السيسي أكثر من غيره من المرشحين المحتملين للرئاسة، بعدما استقال من مناصبه العسكرية وارتدى اللباس المدني من اجل الترشح للرئاسة، على نحو لا يدع أي مجال للشك في انه سيكون الرئيس المقبل. ورغم كل ما يقال عن كفاءات أخرى وتكافؤ الفرص الخ… بات الرجل رئيساً في انتظار التكريس الشرعي لرئاسته عبر الاقتراع، بعدما لعب دور رئيس الدولة في الظل منذ عزل الرئيس «الاخواني» محمد مرسي، وبدء تطبيق خريطة الطريق.
تعاني مصر مشكلات سياسية واقتصادية بنيوية، تراكمت خلال عقود. وهذا واقع يدركه المصريون ويتوقون الى التخلص منه، وربما تستجيب صورة السيسي، القادم من المؤسسة العسكرية، لهذا التوق نظراً الى الادوار الايجابية والتنموية التي لعبتها المؤسسة العسكرية المصرية في تاريخها، أو على الاقل الى ما تشكله هذه المؤسسة في الوعي الشعبي، منذ انطلاقتها الحديثة مع محمد علي، ومن ثم جمال عبدالناصر.
في هذا المعنى، شكلت صورة السيسي رجع صدى لهذا الوعي الشعبي، وألصقت بهذه الصورة الادوار المنسوبة الى المؤسسة العسكرية. ليصبح الرجل مصدراً لكل الآمال والقدرات وفوق كل نقد ومحاسبة وتشكيك.
في المقابل، لم يكن السيسي من رجالات الصف الاول في المؤسسة العسكرية عندما انحازت الى المطالب الشعبية في تنحية الرئيس حسني مبارك، ولم يكن معروفاً على نطاق واسع قبل ان يعمد حكم «الاخوان» الى استبعاد هؤلاء الرجالات الذين رأى فيهم استمراراً للمجلس العسكري الاعلى الذي قاد البلاد بعد تنحية مبارك. وفي تجربة القوى «الاخوانية» مع المؤسسة العسكرية، تمكن الرئيس المعزول مرسي من ان يدفع السيسي الى الصف الاول في المؤسسة العسكرية، ما جعل كثراً يتحدثون آنذاك عن الميول «الاخوانية» لدى الرجل القوي الجديد في المؤسسة العسكرية.
ويبدو ان «الاخوان» كانوا مرتاحين الى هذه الترتيبات الجديدة في المؤسسة العسكرية، معتبرين انهم كسبوا المعركة ضدها، خصوصاً في ظل تأييد أميركي كبير للحكم الجديد في مصر الممثل بـ «الاخوان». وذلك في تبسيط شديد ارتكبه «الاخوان»، مثلما ارتكبته ادارة الرئيس باراك اوباما، ومن أي حساب الى قوة المؤسسة العسكرية المصرية وتشعباتها وقدراتها على امتصاص الضربات ومن ثم الرد عليها. وهذا بالضبط ما فعله السيسي بـ «الاخوان» الذين صدقوا روايتهم على انهم هم أولياء نعمة وزير الدفاع الجديد الذي اعتبروا ان مرجعيته هي الرئاسة وليس المؤسسة العسكرية. وعندما عزل السيسي مرسي، تعامل «الاخوان» معه على انه خان ولي نعمته وانه عاق، لتنصب عليه كل المساوئ التي يحفل بها قاموس «الاخوان» وأذرعهم الاعلامية، لتحويل الرجل الى «شيطان وشر» مطلقين.
“الحياة” اللندنية
اقرأ أيضا
مكسيكو.. مشاركة مغربية في مؤتمر دولي حول حماية البيئة
شارك الأمين العام لحزب الخضر المغربي ورئيس أحزاب الخضر الأفارقة، محمد فارس، مؤخرا بمكسيكو، في مؤتمر دولي حول حماية البيئة.
أليس لجنرالات حكم الجزائر من يُصحِّيهم
إنه إعصارٌ اندلع هُبوبًا على الرُّقعة العربية من هذا العالم، له جذورٌ في “اتفاقيات سايكس بيكو”، ولكنه اشتدَّ مع بداية عشرينات هذا القرن وازداد حدة في غزة، ضد القضية الفلسطينية بتاريخها وجغرافيتها، إلى أن حلَّت عيْنُ الإعصار على سوريا، لتدمير كل مُقوِّمات كيانها. وهو ما تُمارسُه إسرائيل علانية وبكثافة، وسبْق إصرار، نسْفًا للأدوات السيادية العسكرية السورية.
سوريا.. تعيينات بالحكومة الجديدة ورسم معالم المؤسسة العسكرية
تواصل إدارة الشؤون السياسية في سوريا، العمل على ترتيب البيت الداخلي للبلاد بعد سقوط بشار الأسد.