بقلم: د. عواطف عبد الرحمن
في إطار المحاولات التي تقوم بها حالياً الدوائر السياسية العربية والإفريقية لتفعيل العلاقات العربية الإفريقية في ظل المستجدات الإقليمية والعالمية الراهنة تبرز أهمية التواصل الثقافي بين الإقليمين العربي والإفريقي باعتباره يشكل البنية الأساسية التي يعتمد عليها نجاح وفاعلية كافة أنشطة التعاون المشترك الأخرى.
ويشير المشهد الثقافي في إفريقيا والعالم العربي إلى وجود ثلاثة أنواع من الثقافات التي تتداخل وتتشابك وتتلاقح وتتمثل أولاً في ثقافة الخضوع الناتجة عن طبيعة المجتمعات العربية والإفريقية ذات الطابع الأبوي السلطوي، ويسود هذا النمط في معظم الدول العربية والإفريقية خصوصاً في الريف العربي والإفريقي.
أما النمط الثاني فيتمثل في ثقافة التبعية التي تكرس التقليد والاقتباس من الثقافة الغربية بشقيها الأنجلو أمريكي والفرانكوفوني. ويشيع هذا النمط ويتكرس من خلال وسائل الإعلام المحلية والأجنبية حيث يسود بين النخب السياسية والثقافية والإعلامية في إفريقيا والعالم العربي. ويتمثل النمط الثالث في ثقافة المشاركة التي تعد ركيزة الممارسة الديمقراطية في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية وتشهد هذه الثقافة تراجعاً ملحوظاً في المجتمعات العربية والإفريقية في ظل هيمنة البني الثقافية، والسياسية السلطوية وسيادة ثقافة الاستتباع للسلطة السياسية والدينية والتراثية. وهذا يعنى أن أنماط الثقافة السائدة في معظم المجتمعات العربية والإفريقية تسير في اتجاه لا يشجع الممارسة الديمقراطية الحقيقية بل يساند الممارسة الشكلية القاصرة التي لا تسعى إلى تفعيل حرية الفكر وحرية الرأي والتعبير بسبب إصرار معظم الحكومات العربية والإفريقية على محاصرتها بشتى الاساليب سواء التشريعات والقوانين أو الإجراءات الاستثنائية. ويؤكد ذلك ما أشارت إليه لجنة ماكبرايد ذ باليونسكو عام 1980، وأكدته منظمات حقوق الإنسان عن أشكال التناقض التي تزخر بها القوانين المنظمة لحرية الرأي والتعبير خصوصاً في الدول العربية والإفريقية التي صادقت على المواثيق الدولية حيث تصادر الحكومات حرية تكوين الجمعيات الأهلية والنقابات والأحزاب وحرية الاجتماع والتظاهر وحرية الرأي والتعبير، وجميعها مكونات أساسية لحق الإنسان في المعرفة والاتصال الإعلامي والثقافي.
أما التحديات الثقافية التي تواجه حرية الرأي والتعبير فهي تتجسد في تسخير الإعلام الفضائي في ترويج الثقافة الاستهلاكية ذات الطابع التجاري من خلال الإعلانات والمسلسلات والمنوعات التي تستهدف ترويض العقل الجمعي عربياً وأفريقياً وقولبة أنماط السلوك والقيم لصالح أيديولوجية ومصالح السوق العولمية. وهنا يجدر التنبيه إلى ضرورة السعي الجاد لحماية الثقافة ذاتها من سطوة السوق وايديولوجية الاستهلاك ومقاومة المحاولات الدؤوبة من جانب المستثمرين ورجال الأعمال الذين يسعون إلى تسليع الثقافة وأمركتها وتهميش الثقافات القومية الجادة فضلاً عن المحاولات التي تسعى إلى تفتيت الثقافات القومية من خلال برامج البث الوافد عبر الفضائيات الأمريكية والأوروبية والصهيونية. فقد حملت العولمة الكثير من المخاطر التي تهدد المنظومة الثقافية في إفريقيا والعالم العربي. وتقودنا هذه التحديات إلى طرح السؤال الجوهري ما العمل؟ لمواجهة هذه التحديات التي تحاصر حرية الفكر والتعبير.
وتحول دون تحقيق المواطنة الإعلامية التي تضمن كفالة الحقوق المعلوماتية لجميع المواطنين من العرب والأفارقة وتتيح لهم ممارسة حقوقهم المشروعة في حرية الرأي والتعبير والمشاركة في صنع القرارات المصيرية. الأمر الذي يحول دون تحقيق التفاعل بين الثقافات العربية و الإفريقية. لا شك أن المسئولية الكبرى تقع على عاتق المؤسسات القومية والجامعات ومراكز البحوث ومنظمات المجتمع المدني العربية والإفريقية للسعي المشترك من أجل وضع تصور استراتيجى شامل يتيح لها تحقيق هدفين رئيسيين أولهما تحديد كيفية الاستفادة المثلى من منجزات الثورة التكنولوجية في مجال الاتصال التي تخضع حالياً لهيمنة الشركات المتعدية الجنسية ومجلس إدارة اقتصاد العالم (المؤسسات المالية الدولية ـ البنك والصندوق الدوليان ومنظمة التجارة العالمية) وأباطرة السوق العولمية. ولن يتحقق ذلك دون الاستناد إلى بحوث وطنية تحدد الأولويات والأفضليات في نقل التكنولوجيا الاتصالية إلى الدول الإفريقية والعربية مع التعجيل بتوظيف رؤوس المال العربية والإفريقية لإقامة مشروعات أفريقية عربية مشتركة لتوطين التكنولوجيا الاتصالية. ويتمثل الهدف الثاني في ضرورة السعي المشترك من جانب المثقفين العرب والأفارقة من أجل توظيف الجوانب الإيجابية للتراث الثقافي العربي الإفريقي المشترك في إطار مشروع حضاري يستند إلى بنى اقتصادية واجتماعية وثقافية قادرة على تدارك قصورات البنى والمؤسسات الرسمية السائدة حالياً. ويضاف إلى ذلك ضرورة تدعيم دور المجتمع المدني لمواجهة الحكومات وشبكات المصالح الدولية والمحلية التي تسعى لتحويل، أفريقيا والعالم العربي إلى مراكز للتخديم على السوق العولمية التي تسيطر عليها القيم النفعية والاستهلالكية وتحكمها قوانين العرض والطلب.
وفى النهاية يجدر التنبيه إلى أنه بالرغم من العمق التاريخي للعلاقات الثقافية العربية الإفريقية ،إلا أن الممارسة الفعلية لهذه العلاقات يشوبها الكثير من السلبيات لأنها تتم في محيط تحاصره العديد من التيارات المعاكسة التي تمارسها قوى النفوذ الأجنبي الغربي، وتسعى إلى تشويه الصور الذهنية المترسخة لدى الرأى العام العربي والإفريقي من خلال الصور الإعلامية المتبادلة ولتصحيح هذا الوضع لابد من إجراء بحوث علمية ملتزمة للكشف عن دور المنظومة الإعلامية والمعلوماتية في تشكيل أو تشويه الوعى الثقافى المشترك بين العرب والأفارقة مع السعي لرصد وتحليل الصور الإعلامية التي تنشرها الصحف وتبثها وسائل الإعلام المرئي والفضائيات عن كل من إفريقيا والعالم العربى والتى تؤثر في صناعة القرار السياسي والاقتصادي، وتحدد المسيرة السياسية والاقتصادية للعلاقات العربية الإفريقية.
“الأهرام”