قبل أيام قليلة أطلّ السياسي الليبي ، أحمد قذاف الدم ، على إحدى الشاشات المصرية ووعد بأن وجه بلاده سيتغير قريباً، وزاد بتأكيده أن ما يقوله ليس أمنية عابرة وإنما هو تعهد شخصي بالقضاء على الفوضى التي عصفت بالليبيين طوال السنوات الأربع الماضية. وبحكم موقع الرجل وعلاقاته فيمكن أن يُحمل تعهده على محمل الجد إذا كان يقصد حلاً سيأتي من مؤتمر القبائل الذي تستضيفه القاهرة، أما إذا كان يعوّل على أمر آخر، فلن تتحقق أمنيته على الإطلاق.
الكثير من العقلاء والعارفين بالشأن الليبي يدركون أن تغييب دور القبائل هو الذي أفشل كل محاولات القضاء على العنف المسلح والجماعات الإرهابية والميليشيات المتعددة الألوان وأرجأ المصالحة، وذلك التغييب كان متعمداً لأن من جاؤوا بعد «الثورة» عملوا على تركيب هياكل سياسية مصطنعة وحاولوا فرضها على المجتمع، حتى سقطت كل تلك المحاولات وباءت مشاريعها بالفشل عندما اصطدمت بالمركب القبلي الذي يعد النواة الصلبة للمجتمع الليبي. وتظهر التجربة السياسية في هذا البلد أن القبيلة لعبت الدور الأكبر في استقرار البلد أكثر من سلطة الدولة.
لقد حكم العقيد الراحل معمر القذافي ليبيا أكثر من 40 عاماً من دون دستور وحتى مؤسسات للدولة، ولكنه استطاع أن يضمن ولاء القبائل ، وكان يعرف شيوخها اسماً اسماً ورضخ للكثير من مطالبهم، وبذلك استطاع أن يعمر في الحكم. . وكان من نتائج سقوطه قهر شيوخ القبائل وتهميشهم وتصفية بعضهم، وعادت تلك السياسة بالويل على «الثوريين» والميليشياويين والمتطرفين، وبعد أن حار المتدخلون والوسطاء في تحديد الوصفة الناجعة لإنقاذ ليبيا، تأتي هذه المحاولة عبر مؤتمر القبائل في القاهرة لتحقق الإنجاز بشرط أن تدعم نتائجه إرادة عربية صلبة تحميها من التدخلات المشبوهة، ولن يمر وقت طويل حتى تتحقق إنجازات على الأرض وبأسرع مما يتوقع المتابعون.
الوساطة الأممية الجارية منذ قرابة العام فشلت أو كادت، والاجتماعات الإقليمية التي تنقلت من عاصمة إلى أخرى لم تحقق شيئا، والسبب في فشل تلك المساعي عدم نفاذها إلى الحلول من المداخل الصحيحة، ربما لأنها حاولت أن تسقط على الشعب الليبي ما لا يتلاءم مع طبيعته، ولذلك كانت النتائج السلبية.
أما اللجوء إلى خيار الورقة القبلية، فهو الحل الذي يمكن الرهان عليه. وما قاله وزير الخارجية المصري سامح شكري أمام اجتماع القاهرة، يؤكد أن مصر تلعب دوراً كبيراً في هذا المؤتمر وتعمل على إنجاحه وحماية مخرجاته من العبث الخارجي، لا سيما من الأطراف التي تسعى إلى إرباك مصر عبر إدامة الفوضى في جارتها الغربية.
القبائل هي سرّ الاستقرار في ليبيا، وربما هي المنقذ الوحيد من المحنة الطائلة، ولن يكون هناك خير إذا أحبط مؤتمر القاهرة، لأن البديل سيكون وبالاً سيذهب بآخر ما بقي من آمال لليبيين وكل من يريد لهم الخير من دون انتظار الثمن.
“الخليج”