“التنازل قلياً فقليلاً من كلينا سيوصلنا إلى الوفاق”… محتوى لإحدى أعمال مطرب الريف الأميركي كيني روغرس…
عند محاولة الخوض في موضوعنا ينتاب الكاتب أو الباحث هواجس ومحاذير تظهر أمامه مثل ما هو رأي المعنيين بهذا الموضوع وهل يمكن تناول مثل هذه المواضيع بروح موضوعية محايدة وهل أن منهج الموضوعية والحيادية لديهم مقبول أم أنهم متطرفون إلى حد كبير!! ولكن على حال وجب سبر أغوار موضوعنا وهو “ليبيا” التي يعشقها الجميع الكبير والصغير والليبيون باختلافاتهم يحبون ليبيا ولا أعتقد أن هناك مواطن ليبي واحد يمكن مصادرة شعوره تجاه الوطن لأننا في الوطن سواء أي “المواطنة” وهي القضية التي أهملها الثوار المنتصرون بعد عام 2011م، فكان غياب المشروع الوطني واقعاً ملموساً لطغيان النفس الثوري حينها وهو ما أوجد حالة من فوبيا الثورة والثوار لدى كثير المواطنين رجالاً كانوا أم نساء شيوخاً وأطفالاً، فالرأي العام داخل الأسرة الليبية متقارب جداً فالفوبيا إحساس يمكن أن ينتشر ويسود من الأسرة للبيئة المحيطة وبذلك فإن شريحة الثوار الرافعين لشعار فبراير قبل كل شيء وحسب رأيي غابت عنهم الحكمة والرشد خاصة عندما تكون وبشكل تلقائي فريق يخشى الثورة ويحسب لها حسابات مغايرة قناعة الثوار أنفسهم ثم أصبح مقاطعاً لواقع الحال إلى أن أصبح معارضاً وواقعٌ معلومٌ بعد أكثر من ثلاث سنوات وهو الفريق الرافض لثورة السابع عشر من فبراير… ومن هنا بدأ الصراع بين المنتصر القوي وبين المعارض الضعيف في بداية الأمر إلى أن قوى وأصبح يحسب له حساب حتى على صعيد العمل العسكري الذي احتكره الثوار بعد انتهاء الأحداث وسقوط النظام السابق، ومن هنا ومن خلال هذه المتابعة وجب البحث عن حل ثالث يقبل الثوار ويستوعب هياجهم وينزل للمحسوبين على النظام السابق يمد لهم يد التواصل فكثيرون منهم يبتغون ويأملون قيام الدولة وسيادة القانون وهو ما يرضي الجميع ولا أعتقد بأن هناك طرف سياسي في ليبيا لا يريد قيام الدولة فمن لا يريدها فقط هم المجرمون الذين يعلمون بأن قيامها سيكون وبالاً عليهم، ومن ناحية أخرى لا يجب أن يخوض الثوار مثلاً مرحلة بناء الدولة بأدوات الثورة فأدوات الثورة مرفوضة من جزء عريض من الشعب ونحن هنا لا يتسع المقام لدينا كي نفصل من هم مع النظام السابق ومن هم ضده فالمهم هو أن شريحة كبيرة من الشعب الليبي ترفض العمل لبناء الدولة باستخدام منهج وأدوات الثورة عندها ستحدث حالة المقاومة لبناء الدولة فمن حيث سيعلم الثوار أو لا يعلمون سيخلقون أعداء لهم…
كما أن مبدأ الاختصاص لقيام منظومة الدولة سيشكل عائقاً في عجز الثوار لوحدهم عن إيجاد وامتلاك كل أدوات الدولة والوضع النموذجي الذي تمنينا أن يسود لبناء الدولة في أوائل سنة 2012م هو العمل بروح الثورة وبأدوات الدولة عندها سيعيش الليبيون حالة قياسية من الناحية المعيارية لبناء دولة ينشدها الجميع وبلا استثناء فأفراد الشعب مكملون لبعضهم في كل مناحي الحياة ولا يمكن لأي فريق أن يحتكر لوحده مهمة تجميع شتاتدولة مقطعة الأوصال كما نراها اليوم ومساحتها تتجاوز عدة دول أوروبيا مجتمعة… ولن نترك التساؤل الحتمي لمن سلك طريق الثورة ثائراً أو ملتحقاً لمسلك الثوار! لأن البعض أصبح جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، كمن أطلق مسميات لا تليق بالإنسان على من يوصفون بأنهم “أزلام” للنظام السابق في الوقت الذي توجه فيه المعنيون بهذا الوصف في إحدى مناطقهم وشاركوا بشكل كبير في انتخابات المؤتمر الوطني وانتخبوا ستة نواب، وهي حالة معروفة للمتابعين إذاً هنا حدث مالم يكن في الحسبان وهو المساهمة في بناء الدولة لأن المشاركة في الانتخابات هي خير دليل على الوعي بمسئولية المواطن من أجل بناء الدولة وأول أسسها المشاركة السياسية والتداول السلمي على السلطة.. غير أنه وببروز حركة الاصطفاف وخاصة بعد صدور قانون العزل السياسي تغيرت الحالة العامة واختلطت الأوراق من جديد لتنشأ حالة أخرى مخالفة لما كانت عليه في بداية عام 2012م وبدأت المعاناة…
كما أن الكثير من الأصوات والتي كانت تصدح وبشدة لوجوب تأسيس الدولة وجدت نفسها بعيدة عن التأثير المجتمعي الحقيقي سواء على صعيد النخب أو العوام إلى مؤسسات المجتمع المدني… في هذه الحالة ومن خلال هذا العرض المبسط وصلنا إلى أنه لا يمكن أن تحسم المعركة عسكرياً حسب أغلب الآراء النخبوية ذات العلاقة سواء على الصعيد الدولي أو المحلي ولامناص إلا من خلال بروز حال ثالث يستوعب الجميع لكي يكون التنازل مرضياً على كل حال لاكما يفرضه البعض تنازلٌ بطعم ولون ورائحة بعض أصحاب المصالح الضيقة والله المستعان …
*كاتب وباحث أكاديمي/”أخبار ليبيا”