بات من شبه المؤكّد أنّ حكومة السيّد الحبيب الصيد تُعاني من الكثير من الأزمات وهي تكاد تكون مخنوقة من جهات كثيرة رغم الإرادة التي أبدتها عند تولّيها مهامها وانطلاقتها الجيّدة بغالبية برلمانية مريحة.
الواضح أيضا أنّ الاوضاع العامّة في البلاد لم تتغيّر كثيرا عمّا كانت عليه زمن حكومة المهدي جُمعة، فالأعمال والتهديدات الارهابيّة لم تتوقّف على الرغم من النجاحات الأمنيّة والضغوطات على الاقتصاد الوطني وميزانية الدولة تكثّفت والتحركات الاحتجاجية سواء اكانت المنظمة عبر النقابات أو العشوائيّة والفوضويّة في تزايد والبعض منها على غاية من الخطورة خاصة تلك المتعلّقة بالقطاع التربوي والتعليمي بمختلف مستوياته وقطاع انتاج الفسفاط.
الجميع يعلمُ، منذُ البداية، أنّ الحكومة لا تملكُ عصا سحريّة لقلب الاوضاع رأسا على عقب وتغيير حالة البلاد بين عشيّة وضحاها ولكن الواضح أنّها لم تجد السند الكافي للتحرّك بأكثر اريحيّة فالانتقادات تُلاحق العديد من الوزراء، وحتى رئيس الحكومة نفسه، ومن أطراف مختلفة ومنها حتّى المُشكّلة للتحالف الحكومي والاغلبية البرلمانيّة.
ولكن من الواضح أنّ بعض الوزراء أصبحوا عبءا على الحراك الحكومي ولم يتمكّنوا من ملء الكراسي التي لهثوا خلفها وعجزوا عن مواكبة تطورات ومُستجدّات القطاعات التي يُشرفون عليها بل قد احدثوا تشويشا على أولويات الحكومة.
الواضح أيضا أنّ الحكومة باتت تفتقرُ إلى رؤية استراتيجية دقيقة والعديد من قراراتها غدا تفتقدُ الوجاهة، اذ عدا الإجراءات المتعلّقة بإعادة ترتيب شؤون وزارة الداخليّة والتغييرات التي حجبت الى حد كبير اللغط الذي كان يُلازم الوزارة منذُ فترة طويلة، فإنّ سائر القرارات كشفت عن حالة من التخبّط والاضطراب كقرار غلق المجال الجوي مع الشقيقة ليبيا والتراجع عن اعادة العلاقات مع سوريا والشروع في مجابهة الانتصاب الفوضوي والتجارة الموازية بشكل عنيف لا ينسجمُ مع طبيعة المرحلة التي تستدعي قدرا من الليونة والتدرّج والمرحليّة في ظل تواصل تفشّي ظاهرة البطالة وغياب الحلول العمليّة للتشغيل وإحداث مواطن الشغل وتفاقم المشاغل الاجتماعية من قتل وانتحار وإضرابات جوع.
الحكومة في وضع غير مُريح، هذا مؤكّد، ولكن لفائدة من سيتواصل مثل هذا الوضع الصعب والمُعقّد؟
لا أحد يستفيد من مثل هذه الاوضاع الخانقة والمحتقنة غير الجماعات الارهابيّة وفلول الجريمة المنظمة والتهريب، ولا احد يقدرُ اليوم على تحمّل سيناريوهات فشل حكومي قد يدفعُ البلاد الى النقطة الصفر. هل من مصلحة بعض القوى وبعض الاحزاب أن تعجز الحكومة الحالية عن اداء مهامها؟ ولكن هل من الوجيه القول بأنّ الحكومة نفسها لم تفعل الكثير حتى تضمن استمراريّتها. الوضع محفوف بالكثير من المخاطر والمحاذير، ويزدادُ حدّة اذا ما أضفنا اليه التحديات الاقليميّة خاصة مع الجارة ليبيا، وهو يستدعي دونما شك وحدة وطنيّة حقيقية تنأى عن الاعتبارات الضيّقة وتتخلّص من نوايا الاستثمار السياسي في الدم والقتل والارهاب وتبتعد عن سياسة تصفية الحسابات ومنطق الارض المحروقة.
كما أنّ الوضع يستدعي من الحكومة اعادة ترتيب أولوياتها وتحقيق مبدإ التضامن الحكومي ورسم توجهات واضحة فالوقت ضاغط.
*صحفي تونسي/”الشروق”