كان لافتاً غداة اعتداء متحف باردو في تونس، إعلان السلطات في الرباط مطلع الأسبوع الحالي، تفكيك خلية إرهابية بعد حملة اعتقالات شملت تسع مدن في المغرب. واللافت أكثر هو إشارة وزارة الداخلية المغربية في بيان، إلى «تمويل خارجي» لنشاطات هذه الخلية، من دون تحديد مصادره.
لكن ما لا تعبر عنه البيانات الرسمية عادة، يقوله الشارع تعبيراً عن احتقان، تماماً كما حصل غداة الاعتداء في العاصمة التونسية الأربعاء الماضي، أو ما تناولته التحليلات بوصفها «مجزرة باردو» على أنها ضربة للتجربة الديموقراطية الناجحة التي أقصت تيار الإسلام السياسي عن الحكم عبر صناديق الاقتراع.
لم يرقَ ردّ زعيم «النهضة» راشد الغنوشي على اعتداء باردو إلى المستوى المطلوب عملياً، إذ اكتفى بتكرار الخطابات الرسمية للحكومة، بتأكيده من جهة أن «رسوخ الحريات» لن يسمح بوجود «داعش» في تونس، ومن جهة أخرى، إحالته مصدر التهديدات إلى ليبيا، من دون أن تفوته الإشارة إلى ما سماه «نقاط ضعف في النظام الأمني» في بلاده.
والواقع، إن إلقاء اللوم على المخاطر الناشئة من الوضع الليبي، يعكس تردد بعض دول الجوار في الاعتراف بأنها تعاني مشكلة ليبيا نفسها ولو بقدر أقل، وهي انتشار متعاطفين مع تنظيمات مثل «أنصار الشريعة» وغيرها من الجماعات في المنطقة التي أعلنت ولاءها لـ «داعش» و «القاعدة» قبله، بما يشكله هؤلاء المتطرفون من تهديد «نظرياً» يتعاظم خطره عملياً، مع حصولهم على دعم لوجيستي مباشر من مجموعات مسلّحة تعمل على الأراضي الليبية.
وإذا كانت عملية مكافحة الإرهاب تتطلب «وأد الفتنة في مهدها» باختراق الحلقات الضيقة التي يعمل في إطارها «دعاة التطرف» على استقطاب الشباب وتجنيدهم، فهي تقتضي أيضاً العمل بمعزل عن هاجس المساس بالحريات التي نصّ الدستور التونسي على حمايتها، تماماً كما نصّ على تجريم الدعوة إلى الإرهاب ومحاصرتها عبر خطاب ديني موحّد تشرف مؤسسات الإفتاء الرسمية على مضمونه.
وليس الأمر سهلاً، مع الأخذ في الاعتبار إحصاءات مخيفة عن وجود 1500 متطرف تونسي يتدربون داخل الأراضي الليبية، إضافة إلى حوالى ألفين آخرين توجهوا إلى سورية عبر ليبيا حيث تحصّلوا على جوازات سفر مزورة، والحديث عن عودة بضع مئات منهم إلى بلادهم أو تمركزهم في درنة ومناطق ليبية أخرى. وتفيد تقديرات بأن حوالى عشرة آلاف تونسي منعوا من السفر للالتحاق بـ «داعش»، فيما تعترف السلطات التونسية بصعوبة إصدار مذكرات توقيف بحق عدد كبير منهم، في غياب أدلة كافية على ارتكابهم جرائم موصوفة.
ولا شك في أن تحوّل ليبيا «عراقاً آخر» في المغرب العربي، أتاح للإرهاب التفلت والانفلاش في المنطقة، وأوجد تحديات أمنية هائلة لدول الجوار الليبي كافة، لكن مسألة الحريات التي طرحت في ظل «الربيع العربي»، تصبح حقاً يراد به باطل، إذا تحولت ثغرة تتسلل منها قوى الظلام لزعزعة الدول وضرب استقرارها.
و «عرقنة ليبيا» التي جعلتها ساحة مرشّحة لكل الاحتمالات بما فيها التدخل الأجنبي، تشكل تحدياً مزدوجاً لدول المغرب العربي الراغبة في تفادي سيناريوات هذا التدخل وتداعياته، والساعية في الوقت ذاته، إلى الحفاظ على خصوصياتها في ترتيب شؤونها الأمنية الداخلية، في حين يعمل الإرهاب المتنقّل بشعار يحاكي «العولمة» تحت مظلة واحدة متماسكة، لا تعترف بخصوصيات ولا حدود، ما يفرض على الدول المعنية التصدّي لمصادر التهديدات في الداخل، والتنسيق في شكل غير مسبوق للاضطلاع بدور ريادي في فرض الاستقرار على الساحة الليبية.
*كاتب صحفي/”الحياة”