ازدواج غربي في ليبيا

الكل متفق على أن الأزمة الليبية التي فرضت نفسها على شمال إفريقيا معقدة ومخارجها محدودة للغاية، إن لم تكن مستحيلة وفق النسق الجاري، ولكن التعقيد الملاحظ لا يتوقف عند تشعب المشهد الداخلي وتعدد مستوياته وكثرة اللاعبين فيه، وإنما هناك عامل حاسم يتمثل أساساً في الازدواج الغربي في التعامل مع الوضع، فمن جهة هناك اعتراف بأن الجماعات الإرهابية أصبحت حقيقة كبيرة تجب مواجهتها في ليبيا، ومن جهة أخرى هناك تعطيل متعمد لأي تحرك عسكري لمواجهة الإرهاب، سواء كان التحرك ليبياً خالصاً أو بالتعاون مع دول الإقليم.
خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفي سياق الدفع الأممي نحو محادثات سلام بين حكومة ليبيا المعترف بها دولياً، والحكومة المتمردة في طرابلس، بدأت تتجلى مواقف التناقض الغربي، فالعواصم من واشنطن إلى باريس إلى لندن تشيد باستمرار المفاوضات وتعتبرها الحل الوحيد لإنهاء الأزمة، بينما يصرح المبعوث الدولي برناردينو ليون بصعوية التوصل إلى حل، وأن هذا الحل سيظل بعيداً مهما طالت المفاوضات. ويتناقض هذا التشاؤم الذي أبداه ليون مع تفاؤله قبل ساعات من ذلك، حين أعلن أن جولة التفاوض بمدينة الصخيرات المغربية ستزف للعالم تشكيل حكومة وحدة وطنية وإنهاء العمليات المسلحة. ولكن ما تأكد أن الإيهام بقرب التوصل إلى اتفاق لم يجد له أي صدى على الأرض سوى استمرار القتال بين الطرفين الظاهرين على سطح الأزمة، أي حكومة طبرق وسلطة “فجر ليبيا”، بينما في العمق بدأت الجماعات المتشددة وخاصة ما يسمى ب “داعش” تتمدد بصورة خطيرة وتحتل مزيداً من المناطق في وسط البلاد، وعلى ساحل المتوسط، بشهادة مسؤولين أمريكيين أكدوا أن التنظيم الإرهابي يتضخم بقوة ويكسب نفوذاً متعاظماً، ولكن المواقف الأمريكية والغربية عموما لم تتحدث عن تحرك عاجل لمواجهة هذا الخطر، وحين نفذت قوات الجيش الليبي بعض الضربات أغلبها استهدف مواقع للدواعش وحلفائهم استشاطت عواصم الغرب وهددت بفرض عقوبات على من وصفتهم بأنهم “يعرقلون التسوية”.
برناردينو ليون أعرب عن أمله في أن تنجح المفاوضات ويتحد بعدها الطرفان لمواجهة الإرهاب، وما دام تحقيق هذه النتيجة المفترضة مازال بعيداً ويقاس بالأشهر وربما بالسنوات، فآنذاك ستكون داعش “إمبراطورية” مترامية الأطراف، وآنذاك أيضا ربما يفكر الغرب في إنشاء تحالف يتحكم من خلاله بالمعركة ولا يسمح لبني البلد والإقليم بحرية التحرك للدفاع عن مصيرهم، وفق ما تنص عليه الشرائع والمعاهدات.
الغرب ورغم تصريحاته الحماسية عن ضرورة التحرك باتجاه ليبيا وتشكيل قوات للتدخل، مثلما أعلنت إيطاليا في أكثر من مناسبة، لا تبدو عليه الجدية لفعل شيء، وبمعنى أوضح، هذا الغرب لا يريد أن يصحح خطأه حين تخلى عن ليبيا بعد إطاحة نظام الراحل معمر القذافي إثر ثورة ستظل مشبوهة حتى يثبت العكس. ومن أولها كانت العواقب واضحة، فتلك الثورة لم تجلب للشعب الليبي غير الإرهاب والجريمة والتشرد والأمراض والمجاعة. وكلما طال عمر الأزمة كلما تعددت الظواهر المدمرة للمجتمع، وسوف يظل العامل الإرهابي فاعلاً وكبيراً، ولن يتم إنهاؤه عبر مفاوضات، حتى وإن نجحت في تحقيق أهدافها بالصيغة التي يفترضها الغرب والأمم المتحدة.

*كاتب صحفي/”الخليج”

اقرأ أيضا

غزة

غزة.. مجازر بالقطاع و”الشيوخ الأميركي” يعارض وقف بيع الأسلحة لإسرائيل

في فجر اليوم الـ412 من الحرب على غزة، ارتكب الاحتلال مجزرة جديدة خلفت 66 شهيدا معظمهم أطفال ونساء، وأكثر من 100 جريح إثر تدمير حي سكني في محيط مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة.

ضمن مباحثات بالبرلمان.. الموقف الإيجابي لصربيا بخصوص الوحدة الترابية للمملكة محط إشادة

جمعت مباحثات رفيعة، رئيسة الجمعية الوطنية لجمهورية صربيا آنا برنابيتش، ورئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي.

سباق نحو الحياد الكربوني.. المغرب يرتقي إلى المركز الثامن في مؤشر الأداء المناخي

حافظ المغرب على حضوره ضمن طليعة البلدان التي تقود السباق نحو الحياد الكربوني على مستوى العالم بارتقائه إلى المركز الثامن في تصنيف مؤشر الأداء المناخي لسنة 2025، الذي تم تقديمه، اليوم الأربعاء ضمن فعاليات الدورة الـ 29 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 29)، المنعقد بباكو في أذربيجان.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *