بعد أقل من يومين من كلمة الحبيب الصيد، رئيس الحكومة التونسية، التي تلاها مساء الاثنين الماضي عبر التلفزيون الرسمي التونسي، والتي حرص فيها على بيان الوضع السياسي والاقتصادي والأمني التونسي، فوجئ عموم التونسيين بحدث خطر وخطير في الزمان والمكان والرمزية.
ضاحية باردو التاريخية، حيث يقع مقر مجلس نواب الشعب، وحيث يوجد المتحف الوطني المجاور للمجلس، كانت مسرحا لعملية إرهابية تمثلت في تمكن مجموعة من النفاذ إلى المبنى ثم احتجاز مجموعة من السياح، لتعلن مصادر حكومية رسمية بعد ذلك عن مقتل 21 شخصا، منهم 17 سائحا أجنبيا.
في الحدث اعتداء، مع سبق الإضمار، على السيادة التونسية طالما أن المنفذين (قال محمد علي العروي المتحدث باسم الداخلية أنهم “عنصران إرهابيان أو أكثر (…) مسلحين ببنادق كلاشنيكوف) تجرؤوا على اقتحام مبنى يتبع لمقر مجلس نواب الشعب الذي يفترض أن يكون محميا بما يليق به، ويفترض أيضا أن المعتدين يعلمون ذلك. المفارقة أن مجلس نواب الشعب كان يناقش في جلسة أمس الأربعاء بعض مشاريع القوانين، من بينها قانون مكافحة الإرهاب.
في الحدث، قبر لعملية سياسية تونسية تتقدمُ ولو ببطء نحو بر الأمان تنشده فئات بمختلف ألوانها. في الحدث إجهاض مبكر لموسم سياحي تتهيأ له البلاد وتنتظر منه أن يسهم في تحريك الأوضاع الاقتصادية وتنشيط شرايين البلاد المنسدة.
الجدير بالتذكير أن الحبيب الصيد صرح خلال كلمته المشار إليها، بأن “الحكومة باشرت خطة أمنية جديدة من شأنها أن تعزز قدرات الجيش والأمن في مواجهة المجموعات الإرهابية”، لكن الواضح أن الخطة الأمنية التي لم يكتب لها التنفيذ، ستصبح محل مراجعة لأن وقع الإرهاب تحول إلى قلب العاصمة وقلب الفعل السياسي.
السؤال الذي يطرحُ بقوة هل أن الجهات الضالعة في الواقعة تقصدت أن تذهب رأسا إلى حيث تنتصب “السلطة التشريعية” المنتخبة، وأن تحتجز سياحا أجانب في موقع تاريخي شهد في ذات اليوم حضورا قياسيا للزوار مقارنة بالأسابيع الماضية؟ بصرف النظر عن إجابة قد تحيل إلى دلالات استفزازية، أو إلى حيثيات متعلقة بتخفيف الضغط على جهات أو “جبهات” أخرى، فاليقين أن للحدث بقاياه القادمة، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الأمني أو على المستوى الاقتصادي.
تونس التي تتهيأ غدا (20 آذار) للاحتفال بعيد الاستقلال، وبعد ساعات من كلمة رئيس الحكومة التي أقر فيها بأن “تونس تمر بوضع صعب وتتطلب خطة إنقاذ وطني”، تتعرض لعملية ستزيد من غموض المشهد وضبابيته، والمثير أن أغلب العمليات الإرهابية تحدث زمنيا على مشارف الاحتفال بالأعياد الوطنية (مفيد التذكير بأن اغتيال محمد البراهمي مثلا حصل في ذكرى عيد الجمهورية) لكن الحدث الأخير كان مركبا بشكل أنه أهان السيادة في معقلها، ووأد نهوض الاقتصاد قبل حصوله، وعرقل المسار السياسي قبل اكتماله، خاصة في ظل ما يسود الشأن السياسي من مطبات متعلقة بعلل الأجسام السياسية الكبرى.
* كاتب صحفي تونسي/”العرب”