ليبيا في عواصم المنطقة

بين الرباط والجزائر والقاهرة تتوزع الحوارات الليبية، فما إن ينفض اجتماع حتى يعقد آخر، وكلها تحت رعاية الأمم المتحدة التي تأمل إيجاد حل سياسي للأزمة العويصة. أما الجامع بين كل هذه الاجتماعات فهو تعثرها المتواصل وعجزها عن رسم خطوة أولى يمكن أن ترسخ التفاؤل.
لقد انعقد اجتماع لأطراف الصراع في مدينة الصخيرات المغربية وتلاه آخر في الجزائر، ومن المتوقع أن ترعى القاهرة خلال أيام اجتماعاً لممثلي القبائل الليبية، ويوحي تعدد مسارات الحوار واختلاف الفضاءات التي تستضيفها تعقد الأزمة وتباين الرؤى بين المتدخلين والوسطاء. فما يتحقق مثلاً في المغرب لا يتحقق بالقدر الكافي في الجزائر أو جنيف أو غيرهما من العواصم التي استضافت حوار ليبيا. وأول استنتاج يمكن التوصل إليه بناء على هذا النسق أن المفاوضات ستكون طويلة الأمد وقد تمر أسابيع وأشهر حتى يتم رسم المربع الأول لهذه المفاوضات. وعلى الرغم من التصريحات المتفائلة دوماً والتي تصر على تحقيق تقدم، فلم يتم إلى الآن التوصل إلى خطة واضحة لوقف إطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية وصولاً إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة.
وسبب هذا الفشل أن هناك تعارضاً بين ما يقوله المشاركون في الحوارات خارج البلاد وما يجري ميدانياً، فالقتال لم يتوقف إلا لإعادة تنظيم الصفوف وتحديد الأهداف. وبينما كان الفرقاء يلتقون في المغرب وجهاً لوجه اندلعت حرب متبادلة على المطارات والمرافئ في شرق ليبيا وغربها. أما في الجنوب فقد تأججت معركة بين قبيلتي التبو والطوارق في مدينة أوباري وسط مخاوف من امتدادها إلى الكفرة وسبها. وهذه الأزمة الصحراوية ربما تتطلب وسطاء وحواراً ينضاف إلى قائمة الحوارات السابقة، ذلك أن الخلافات القبلية في الجنوب الليبي وغيره من المناطق لم تنته بل هي مرشحة للتفاقم، وعلى تلك الخلافات تتغذى التنظيمات الإرهابية وخلايا الجريمة المنظمة. في هذا السياق يتأكد أن المدخل القبلي ربما يكون أنجع المداخل لقطع شوط طويل في طريق تحقيق مصالحة وطنية والقضاء على الإرهاب وإعادة توحيد البلاد سياسياً واجتماعياً.
في هذا التوقيت يطرح الوسطاء الدوليون وقف إطلاق النار كخطوة عاجلة، وهذا أمر مطلوب، ولكن ماذا عن الإرهابيين و”الدواعش” الذين يستفحل أمرهم ولا يعترفون بأي أحد؟ فهذا الداء الخطر الذي أصاب ليبيا أصبح يضرب في كل مكان ويستهدف الجميع من أبناء البلد والأجانب. واستفحال هذه الظاهرة هو الذي أصاب المفاوضات السياسية في مقتل، ولذلك فإن دعاة الحل العسكري لإنهاء الأزمة في ليبيا يكونون على حق حين يقللون من فرص الحل السياسي. ولكن للمفاوضات والحوار فرصة أكبر بشرط أن يكون أي تفاهم ملزماً للجميع بما يسمح بوضع مشروع وطني له أهداف محددة، أولها مواجهة الإرهاب وتعزيز السلم الاجتماعي وإلغاء قوانين الإقصاء التي أفقدت البلاد الآلاف من كفاءاتها الذين اغتيل الكثير منهم ودفع الآخرون إلى الهجرة والعيش في المنافي.
ليبيا في مفترق طرق، والأيام القليلة المقبلة قد تفتح أفقاً أمام حل سياسي شامل، أما الفشل الذريع فيعني انهيار كل الآمال التي بنيت، وحصاد مر لجولات الحوار المتنقلة من عاصمة إلى أخرى.

*كاتب صحفي/”الخليج”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *