شكل الدستور المغربي لعام 2011 قفزة مهمة في مسار تمكين المرأة، فقد أقر، في فصله السادس، ضرورة عمل السلطات على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما نص فصله التاسع عشر على تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في الدستور، أو في المواثيق الدولية المصادق عليها. وهو الفصل نفسه الذي أكد سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وإحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
وذهب الفصل الثلاثون في اتجاه تنصيص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.
قبل ذلك، كان تصدير الدستور المغربي قد اعتبر المشاركة إحدى ركائز الدولة الحديثة المتواصلة مسيرة توطيد مؤسساتها، وأعلن التزام المغرب بحظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس.
وستسمح هذه المقتضيات، لأول مرة، بإخراج إجراءات التمييز الإيجابي لفائدة النساء، أساساً عبر تقنية اللائحة الانتخابية الوطنية، من منطق التوافق السياسي والأخلاقي بين الفاعلين إلى دائرة الشرعية الدستورية.
فرض هذا التقدم الدستوري، في السنوات الأربع الماضية، انطلاق التفكير في ورش قانونية للتأهيل التشريعي، تفرضه ملاءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، الأمر الذي قد يتطلب قانوناً/ إطاراً حول المساواة، فضلاً عن تعديلات عديدة ضرورية للقانون الجنائي، قانون الشغل، مدونة الأسرة، قانون الجنسية، وتشريعات أخرى.
ويثير هذا المجهود التشريعي نقاشاً متجدداً حول المكانة التي تحتلها الاتفاقيات الدولية داخل النظام القانوني المغربي، خصوصاً في ضوء وثيقة يوليو/تموز 2011.
ظل الغموض سائداً طوال الدساتير المغربية الخمس الأولى (1996-1992-1972-1970-1962)، في ما يتعلق بالحسم في اتجاه سمو الاتفاقيات الدولية، أو رجحان القانون الوطني، ما جعل الباحثين يعودون، تارة، إلى استقصاء بعض التشريعات المتفرقة، أو إلى استقراء الأحكام القضائية ذات العلاقة بالموضوع، وتارة إلى الاستناد إلى بعض الحالات الخاصة، مثل نص إعادة تنظيم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الصادر في أبريل/نيسان 2001.
وإذا كان مطلب السمو قد شكل مكوناً ثابتاً ورئيسياً في ترافع الحركة الحقوقية والمدنية، وعموم الديمقراطيين، إبان الحوار العمومي الواسع الذي شهده المغرب بمناسبة الاستشارات حول مراجعة الدستور عام 2011، فإن هاجس التوافق والترضيات، وتضخم خطاب الهوية على حساب خطاب المواطنة، جعل الدستور المغربي يستمر في منطق تأجيل الحسم الواضح في القيم المؤسسة للمشروع المجتمعي، وهو ما انعكس في صورة صياغة قانونية ملتبسة، تقر بسمو الاتفاقيات من جهة، وتضع لسريانه جملة شروط تتعلق بالمصادقة (أي بالتحفظات)، ثم باحترام الدستور، والقوانين و الهوية الراسخة، من جهة أخرى.
وعلى الرغم من أن باحثين يعتبرون أن تنصيص تصدير الدستور على تعهد المغرب بالالتزام بما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية، وتمسكها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالمياً، والتزامها بحماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء، يكفي للقول إن الدستور المغربي قد حسم في مسألة سمو الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان. ويقر الجميع بأن أثر هذا السمو لن يتحقق إلا بجهد تشريعي عميق للملاءمة. وهنا، فإن الرهانات الأيديولوجية الحادة التي تحملها قضايا المرأة والأسرة، كبؤرة صراع محتدم حول المشاريع المجتمعية والقيم، لن تجعل من هذه الملاءمة مجرد مجهودات قانونية تقنية، بقدر ما ستجعل منها صراعاً ثقافياً حاداً بين التأويل الديمقراطي والتقدمي المستند للمرجعية الحقوقية الكونية، والتأويل المحافظ المستند، من جهة، إلى حجج الهوية والثوابت والخصوصية، ومن جهة أخرى، إلى قراءة منغلقة للترات الديني.
من جديد، نعيد، إذن، اكتشاف موضوع المرأة، كاختبار صعب للحداثة وللتقدم، ونعيد تقدير معركة المساواة كمعركة بنفس طويل، تختلط واجهاتها، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولا يشكل، في نهاية التحليل، مستواها القانوني /المعياري، إلا محصلة شكلية لموازين القوى الاجتماعية على الأرض.
* كاتب وباحث مغربي/”العربي الجديد”