في مناسبة ذكرى تأسيس الاتحاد المغاربي، لم يبد أهل الشمال الإفريقي تأثرهم لحالة التدهور التي اعترت المشروع الوحدوي الكبير فحسب. بل يساورهم المزيد من القلق حيال نقل التهديدات الأمنية لتنظيم «الدولة الإسلامية» إلى عقر الغرب الإسلامي، على شاكلة توالد فروع «القاعدة» الموزعة بمقاس بقع التوتر وعدم الاستقرار.
انبثق الاتحاد المغاربي، وكانت الجزائر وحدها تعاني من إرهاب صراع السلطة الذي أودى بعشرات الآلاف من الضحايا. ولم تكد تتنفس الصعداء على طريق تكريس المصالحة بعد عشرية دموية سوداء، حتى انفجرت الأوضاع في ليبيا بطريقة أكثر عنفاً، في ظل استشراء الأعمال الإرهابية وغياب رادع الدولة والقانون.
لم تعد أي من البلدان المغاربية في مأمن من هذا التمدد الخطير، وكما ارتدّت كرة الأفغان المغاربيين في كل الاتجاهات، بات «المتطوعون» إلى القتال في سورية والعراق يعاودون استنساخ التجربة. فقد أصبحت «القاعدة» تنظيماً يرفع شعار «دولة الخلافة» ولم يتغير شيء في الأفعال والأهداف، سوى زيادة أعداد الضحايا على أشرطة الفيديو. وبعد أن جرت العادة باستخدام التصوير لالتقاط الذكريات المفرحة، اقترنت الأشرطة ومضامين وسائل التواصل الاجتماعي برائحة القتل والدم والفواجع.
انقضى ذلك الزمن الذي راهنت فيه مصر على إمكان الانضمام إلى الاتحاد المغاربي، يوم بدا مشروعاً طموحاً بحوافز إقليمية تجمع بين التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي لأكبر تجمع سكاني يطل على الساحلين المتوسط والأطلسي. ولم يبق أمامها خيار لوقف الزحف الإرهابي غير تنفيذ غارات جوية ضد ملاذات اقتراف جريمة نحر أقباط مصريين، لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا في المكان الخطأ.
أي مغرب عربي هذا الذي حلمت يوماً بالانضمام إليه؟ وقد أصبح أقرب إلى مقابر جماعية، تستبيح القتل على الهوية، وتلتقي الدوافع في الاقتصاص من كل ما هو إنساني وحضاري. حتى أن مفهوم البيعة الذي يحمل معنى التعاقد الاجتماعي والروحي، صار مقترناً بالبيعة من أجل القتل ولا شيء غير القتل.
يعني ذلك أن الأخطار التي استبدت بالمواطنين الليبيين، جراء انتشار الفوضى والسلاح، زادت استفحالاً في ظل انتقال فيروس التنظيمات الإرهابية، وباتت تستهدف كل من يمشي على الأرض، ولا يدين بالولاء لتنظيم «الدولة»، مسلمين ومسيحيين عرباً أو أجانب. فالإرهاب منذ كان لا يفرق بين الأديان والأعراق والأجناس والثقافات. بالأمس نُحر مصريون واليوم تونسيون وغداً تفتح قوائم كل الانتماءات، ضمن السجل الأسود للقتل الوحشي الأعمى.
في توقيت الذكرى، علقت الرباط رحلات الطيران، من وإلى ليبيا، كإجراء احترازي أملته المخاوف الناشئة من اتساع رقعة الأعمال الإرهابية. وقبل ذلك انشغلت تونس والجزائر بالأوضاع على الحدود مع ليبيا في نطاق درء المخاطر المحتملة. وبذلك تكون آخر مقومات البناء المغاربي هوت كما يتهاوى البناء الآيل الى السقوط، بسبب عدم الصيانة والترميم.
إذا كان صحيحاً أن الحدود لم تكن معبدة، بل مقفلة بلا مخارج كما في حال المغرب والجزائر، فالصحيح أيضاً أن الوضع الاستثنائي بين هذين البلدين الجارين نجم عن تداعيات هجمات إرهابية وقعت منذ أكثر من عقدين. إلا أنه بدل استخلاص العبر إزاء ضرورة تقوية التضامن والتنسيق والتصدي المشترك لتلك الأخطار، انبرت المعالجات في اتجاه أحادي.
لم يعد مفهوماً كيف أن تحالفاً دولياً تأسس على خلفية تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق، استشعاراً بالتهديدات التي لا تستثني أي طرف، لا يقابله تحالف مماثل في المنطقة المغاربية التي تواجه التحديات نفسها المتفاعلة في الفضاء المغاربي وامتداده الأفريقي نحو الساحل. وكما أن تنظيم «داعش» استقر في قلب العالم العربي على خط التماس مع دول الخليج، فإن فروعه اختارت عمق الكيان المغاربي، من دون استثناء سيناء المصرية كحد فاصل بين الامتدادين العربي والأفريقي لمصر. فهنا أيضاً توجد منابع النفط. ويتم الاحتكاك المباشر على الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط.
*كاتب صحفي/”الحياة”