التعديل الحكومي الأخير الذي أقدم عليه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز يحمل في طياته بوادر تهدئة مع المعارضة، ومؤشراً على عودة الحوار بين الطرفين لتجاوز مرحلة طويلة من القطيعة والحرب الكلامية التي ظلت، رغم سقف خطابها العالي، سلمية وبعيدة عن العنف، وهي سمة عامة تطبع المجتمع الموريتاني.
تأنيث نحو ثلث الحكومة بمنح ثماني حقائب وزارية لسيدات يكرس ميلاً إلى معالجة ناعمة للأزمة السياسية بين النظام والمعارضة، وترى أوساط مختلفة في نواكشوط أن هذا التعديل جاء ليعكس رغبة رئاسية في فتح صفحة جديدة، ولكن المعارضة بأقطابها المختلفة تكاد تجمع على أن دعوات ولد عبدالعزيز المتكررة للحوار هي دعوات شكلية، ولا تستحق الرد إذا لم تتوافر إجراءات عملية ترسل إشارات واضحة تؤكد أن النوايا الرئاسية صادقة وليست مناورة فرضتها حسابات ضيقة، لا سيما أن النظام لا يعيش أزمة داخله ولا يهدده أي تحد، فقد كسب الانتخابات الرئاسية العام الماضي، وقبل ذلك بأشهر فاز الحزب الحاكم “الاتحاد من أجل الجمهورية” بالأغلبية البرلمانية، ولكن أزمته الطويلة مع المعارضة ستظل عامل إزعاج كبيراً إذا لم يجر حلها سياسياً وفي ظل مؤسسات الدولة.
في الأيام القليلة الماضية أكد ولد عبدالعزيز أنه مستعد لمصالحة شاملة من أجل المصلحة العليا لموريتانيا، وأوحت الدوائر القريبة منه بأنه مستعد لقبول جميع شروط المعارضة بما فيها إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل لجنة مستقلة للانتخابات وإبعاد المؤسستين العسكرية والأمنية عن السياسة وتحييد الإدارة، ومفاد هذا القبول أنه مستعد لخوض معركة ديمقراطية شاملة مع المعارضة وترك القرار النهائي للإرادة الشعبية، ولا يختلف عاقلان على أن الاحتكام إلى الشعب هو أقوم المسالك للخروج من الأزمة والدخول في عهد جديد من التوافق الوطني على قواعد ثابتة.
طيف واسع من المعارضة الموريتانية مازال يتجرع غصة ديمقراطية منذ أغسطس/ آب ،2008 عندما أطاح ولد عبدالعزيز الرئيس المنتخب في 2007 سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، ولا يمكن تجاوز تلك العقدة ما لم تجر انتخابات فعلية، وبالشروط الموضوعية في موريتانيا يمكن أن تجرى الانتخابات، وبإمكان الرئيس الحالي أن يترشح ويفوز بها بلا عراقيل، فأكثر من ست سنوات قضاها في السلطة وضعته في دائرة الضوء، ورغم الانتقادات السياسية التي توجهها له المعارضة، فإن رصيده المتمثل في تحقيق نسب نمو محترمة، والنأي بموريتانيا عن النزاعات والهزات في المنطقة، كما يحسب لنظامه نجاحه الأمني في مقاومة الإرهاب داخلياً، فيما كانت دبلوماسيته الخارجية حاضرة بقوة، واستطاع أن يحافظ على علاقات متوازنة إقليمياً، وإن عرف عهده بعض التوتر مع المغرب لأسباب تتعلق في عمقها بقضية الصحراء.
كل هذه المزايا لا تعني أن صفحات نظام ولد عبدالعزيز ناصعة البياض، بل شابها سواد كثير على المستوى السياسي حين فهم معارضوه أنه سخر أجهزة الدولة لفرض استفراده بالحكم. ومن الصعب عليه أن يغير هذا الفهم ما لم تجر مصالحة وطنية شاملة، وإن اقتضى ذلك إجراء انتخابات مبكرة وبناء مؤسسات ديمقراطية ولا يبدو ذلك بعزيز على موريتانيا إن توافرت الإرادة والتفاعل الصادقان.
*كاتب صحفي/”الخليج” الاماراتية