حرائق ليبيا.. أين المجتمع الدولي؟

كم هو مؤلم ومخيب للآمال ولطموحات وتطلعات الشعب الليبي، ومن تمنى له الخير بعد خلاصه من ديكتاتورية «القذافي»، وحش طرابلس الذي جثم على صدره نحو أربعين عاماً، كم هو محزن أن تغرق ليبيا في كل هذا الاقتتال والدمار والتفجيرات والتصفيات، وأن يكتشف المراقب للأحداث منذ نشوب الثورة في طرابلس ونجاحها في الإطاحة بنظام الطاغية، أن نجل القذافي «سيف الإسلام» لم يكن مخطئاً ومبالغاً عندما تنبأ عشية سقوط حكم والده بفشل هذه الثورة وبنشوب الحرب الأهلية واحتراق النفط وتنازع القبائل والمناطق وباختصار دمار البلاد.
ويتضاعف الألم عندما ينظر الإنسان في مؤهلات التقدم والرخاء في ليبيا، من حيث سعة الأرض وقلة السكان وضخامة الثروة النفطية والقرب من أوروبا، وكل مستلزمات بروز دولة حديثة وشعب ينافس في رفاهيته أكثر الدول العربية ثراءً، إلا أننا نجد أن الأمور تسير عكس كل هذه التوقعات، حيث الخراب يزداد والنيران تمتد والبؤس يعم شرق البلاد وغربها، ومؤسسات النفط والمطارات تتعرض للقصف والتفجير والاحتراق.
وقد أفادت تقارير ميدانية واردة من ليبيا نشرتها “الاتحاد”، «فإن رجال المطافئ فشلوا مساء 27-12-2014 في السيطرة على الحرائق التي اندلعت في مستودعات النفط الخام في مرفأ السدرة النفطي، الذي يعد أحد أكبر المرافئ النفطية في ليبيا، وامتدت الحرائق المستمرة في ثلاثة من مستودعات النفط إلى مستودع رابع، الأمر الذي دفع الحكومة الليبية إلى طلب مساعدة دولية رغم «الجهود الحثيثة» لإخماد الحرائق المندلعة منذ الخميس إثر إصابتها بصاروخ أثناء معارك بين القوات الحكومية وعناصر من ميليشيات «فجر ليبيا» وعناصر من فصائل أخرى موالية لها، وحذرت الحكومة من مخاطر بيئية تهدد المنطقة بأكملها».
وأضافت “الاتحاد” أن المسلحين الذين يطلقون على أنفسهم «فجر ليبيا» بدؤوا هجوماً قبل أسبوعين للسيطرة على المنشآت النفطية في المنطقة، و«تصدت للهجوم القوات العسكرية التي تدعم الحكومة المعترف بها دولياً بقيادة عبدالله الثني، وتتخذ من مدينة طبرق الواقعة شرق البلاد مقراً لها، وهناك حكومة أخرى بقيادة عمر الحاسي تتخذ من طرابلس مقراً لها».
الصراع والفوضى لم يتوقفا هنا، فالوضع كان أخطر بكثير، فليبيا تشهد قتالاً بين الجيش الوطني والميليشيات المسلحة، وقد «استمرت ملاحقة جيوب المتطرفين في منطقة الصابري وسوق الحوت في بنغازي، حيث يتمترس المتطرفون في مبان سكنية عالية متخذين من سكانها دروعاً بشرية». ومن ابتكارات الصراع الدامي في المدينة استخدام المتطرفين للأسلحة الثقيلة كالمدفعية والدبابات في طرقات المدينة الضيقة، ربما بعد نفاد ذخيرة الأسلحة المتوسطة الفعالة في هذه الأحياء. هل تؤدي عودة الإرهاب بقوة إلى فرنسا وأوروبا مؤخراً إلى تدخل حاسم من قبل أوروبا أو أميركا لحسم الوضع الليبي؟ ربما حدث العكس إن تغلب التيار الانعزالي على سياسات هذه الدول. صحيفة “الجارديان” البريطانية صنفت «الفوضى الليبية» بأنها تتقدم أسوأ الأحداث في القارة الأفريقية خلال عام 2014، ربما أسوأ حتى من نيجيريا وجرائم “بوكو حرام” الإرهابية؟ واعتبرت الصحيفة الأوضاع في ليبيا دليلاً على أن تدخل الحلف الأطلسي لإطاحة معمر القذافي في عام 2011 «كان عملاً مفزعاً ظنته القوى الغربية جيداً في حينه». التشاؤم يغرق غالبية الشعب الليبي، يقول المحلل محمد خلف، مع حلول عام جديد على «الثورة الديمقراطية» ينذر بأزمات أعمق وانهيار أخطر في المجتمع «مع فشل جميع المحاولات العربية والإقليمية والدولية لوقف الاقتتال وسيطرة الميليشيات الإسلامية العنيفة على مقاليد الدولة التي تسير نحو التفكك والتفتت والتداعي الاقتصادي والمالي، والسقوط في أوحال الكراهية المجتمعية، والمشهد الليبي بصورته الراهنة يدفع الليبيين إلى الوقوع أسرى الماضي، لقد باتت ليبيا اليوم مقسمة بين حكومتين وبرلمانين يتنازعان الشرعية وأصبح القصف العشوائي للمناطق المدنية واختطاف المدنيين والتعذيب والإعدامات أمراً معتاداً في الكثير من المدن، بعد أن انقضت الميليشيات حتى على المستشفيات قصفاً، وجعلت من بعضها مقرات وثكنات عسكرية، وبعد قيام عناصر من الميليشيات بارتداء زي جمعية الهلال الأحمر».
في تقرير بعنوان «مسارات التحول في النزاع الليبي»، المنشور بمجلة السياسة الدولية يناير 2015، في عبارة موجزة ضمن دراسته عن أوضاع هذا البلد المنكوب، يلخص الباحث في الشؤون الأفريقية د. خالد حنفي علي أحوال هذا البلد، قائلاً: «بين معارك لم تحسم الموازين العسكرية، وتنازع سياسي حول الشرعية، ومبادرات حوار لم تؤت أكلها، وسياسات استقطابية للقوى الإقليمية، وأخرى مرتبكة للقوى الكبرى، بين كل هذا التجاذب تدور رحى الصراع الليبي الذي تحول – بعد أكثر من ثلاث سنوات من ثورة 17 فبراير 2011 – إلى حالة معقدة وممتدة، تتقاطع فيها خطوط الانقسام الداخلي مع مصالح قوى إقليمية ودولية».

*كاتب ومفكر- الكويت

اقرأ أيضا

الجزائر وفرنسا

باريس تفضح أكاذيب النظام الجزائري.. الاتهامات الموجهة لفرنسا “لا أساس لها من الصحة”

فضحت فرنسا كل الاتهامات الواهية التي وجهها لها النظام العسكري الجزائري بشأن ما وصفه الكابرانات بـ”مخططات عدائية” تقف وراءها المخابرات الفرنسية.

أخنوش يستقبل رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية

استقبل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، اليوم الخميس بالرباط، رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية، يائيل برون بيفي، التي تقوم بزيارة عمل إلى المملكة، تندرج في إطار تعزيز آليات التعاون البرلماني بين البلدين.

الجزائر وفرنسا

بعد أن بات في عزلة تامة.. النظام الجزائري يحلم بالتقارب مع فرنسا

بعد أن أغرق النظام العسكري الجزائري البلاد في عزلة تامة بسبب حربه القذرة ضد الوحدة الترابية للمملكة، لم يعد أمام الكابرانات إلى العودة للتودد لباريس، كما فعلوا مع مدريد،

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *