تأتي المواسم وتأتون .. هذا طيفكم يتهادى فوق ايقعات الزمن.. يمضي ولا تمضون .. تأتون وترا موشحا كأسراب الضياء .. كطيور مهاجرة تشدوا أغنية الجراح .. مازالت دماؤكم ” ابا اياد ” وأبا ” الهول” وأبا محمد” تزهوا فوق مرابع مواسمنا.. وعطاءاتكم تزهو على بيادر احلامنا.. فاينعت المواسم مواسم .. وازهرت البيادر سنابل وملاحم .. هذا طريق الأنبياء .. هذا معدن الدماء .. أيها الشهداء، أيها العابرون مسافات المستحيل .. الساكنون الكون نارا وصهيل .. هذا نجيعكم يطرز وجه الأرض .. يزرع ملح عشقه في اديمها فتهتز وتربو وتنمو .. أيها الشهداء هذا سناكم ينبت فوق افواه البنادق .. قوافل نصر وبيارق ومواكب اباء فهذا معدن الدماء .. أيها الشهداء يا راكبي المجد دماءكم تدق أبواب القدس .. فتشعل زيت قناديلها
وتزرع الوجد في محاربيها .. فلقد أضنى مأذنها الهجر وطال ليلها ولكن ما بعد الليل والعتمة لا بد للفجر ان يلوح ولا بد للشمسنا الفلسطينية ان تشرق . ففي مثل هذا اليوم من شهر يناير بتاريخ 14-1 من عام 1991 فقدنا في مدينة” قرطاج التونسية ثلاثة فرسان ورجال سجلوا ملاحم خالدة في صفحات المجد والعزة، من اجل فلسطين كل فلسطين فالمجد يركع لفرساننا الثلاثة ولكافة شهدائنا الابرار في كل حين.
فالطريق الى فلسطين لا تعبد الا بدماء الشهداء ولا تضاء إلا ببطولاتهم التي لا يضيرها خيانة خائن، أو غدر منافق، او خذلان جبان ..والله انه ليصعب على القلم ويشق على بَنَانَه ان يكتب بمداده عن هؤلاء الرجال الرجال والابطال الأبطال الذين قضوا برصاص الغدر والخيانة على يد المدعو” حمزة ابو زيد” بتكليف من الإرهابي والمرتزق الخائن ” صبري البنّا ” ابو نضال” وباتفاق مع الموساد الذي كان يريد رأس ابي اياد باي ثمن .
فعملية الاغتيال كما يقال وحسب اعتراف القاتل لاحقا كانت بالأصل للشهيد المدفع صلاح خلف ” ابو اياد” احد مؤسسي حركة التحرير الوطني الفلسطيني ” فتح ” وعضو لجنتها المركزية واحد اهم منظري فكرها الثوري ، وقائد الأجهزة الأمنية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صاحب الشخصية التي تميزت بالصلابة والقوة ، فكان صلب الإرادة متوقد العزيمة لا تحد اندفاعاته حدود الا ما وقر في قلبه والتزامه بأخوته وقضيته، وكان محبوبا لتميزه بالسلاسة والمرونة في التعامل، وكان لديه قدرة على الخطابة جعلت منه شخصية بارزة وأسرة للجمهور الذي كان يتوافد بعشرات الآف لسماعه في المهرجانات والمؤتمرات وكان يسمى على النطاقات النخبوية في حركة فتح ” بجارنج ” فلسطين نسبة للدوبلوماسي السويدي المشهور” جارنج” وذلك لقدرته الفائقة على صياغة التوجهات ولاستراتيجيات وبناء التحالفات وإدارة التفاوض بشكل فائق الحكمة .
كان القادة الثلاثة مجتمعين فطالتهم يد الغدر والخيانة فنزل الخبر كصاعقة من السماء على القيادة وشعب الجبارين، فبإختراق الرصاص لأجسادهم الطاهرة اصيبت فلسطين كلها. لكن ” الوطن” الذي ناضل” ابو اياد ” ورفاق دربه الغر الميامين لاستعادته وقضوا من اجله يمد شهداءه بالحياة الجديدة مستلهما من وصاياهم عزيمة البقاء ووسيلة الديمومة. سيكون لنا، ذات يوم وطن .. قالها ابو اياد ومضى وحتما سيكون لنا وطن وعلم ونشيد رغم أنف الاحتلال البغيض والذي سيزول قريبا في يوم من الأيام . وفي حسن الختام كلام الله سبحانه وتعالى ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون”. المجد والخلود لشهدائنا الابرار والحرية لأسرى الحرية وأنها لثورة حتى النصر.
*عضو شبكة كتاب الرأي العرب- شيكاغو.