اللغة، أي لغة، سواء كانت حية أم ميتة، علمية كانت أم عاطفية ” لهجوية “، تبقى من أخص خصائص الأمم والشعوب، غداء لعقلها وروحها ولعاطفتها، وإحدى مقوماتها الأساسية المرتبطة بأنسيتها، وهويتها وحضارتها وفكرها…
اللغة إذن هي الهوية، هي جذور/ الماضي والمستقبل، كل إهمال لها ينعكس سلبا على الأمة. ومتى أصبحت هذه اللغة مستلبة، تخلفت الأمة في بنائها الحضاري والفكري والعسكري والسياسي، ذلك لأنها هي المؤشر /هي الميزان/ وهي القاعدة والاستثناء في هذا البناء.
وقد لا نتصور أبدا، أن تكون أمة متحضرة اقتصاديا وعلميا وثقافيا، حاضرة وكاسحة وفاعلة، ولغتها مستلبة أو ميتة أو متراجعة.
لغتنا العربية، وهي بالنسبة للعالم الحديث، لغة متراجعة، لأنها لا تخرج عن نطاق المدرسة الأولية / الابتدائية، ولا تتفاعل مع الشارع العربي العام، ولا مع التعليم العالي والدراسات العلمية، ولا مع الاختراعات ولا مع المطامح التنموية والتقنولوجية للإنسان العربي.
لغتنا العربية، بالنسبة للعالم الحديث، لغة متراجعة، ليس فقط لأنها لغة امة مستلبة في مناهجها التربوية، وفي اقتصادها وصناعتها وعلومها وحضورها الدولي، ولكن أيضا لأنها لغة أمة تخلفت في كثير من جوانب حياتها إلى درجة الفوضى…والجنون، ومازال الفسق والفساد يتحكم في قراراتها الإدارية والسياسية.
إن لغتنا الجميلة بكل مقاييس الجمال، تعاني في عصر العلم والتقنولوجيا، وفي عصر النفوذ العسكري والمالي، من سلسلة من السلبيات في علاقتها بالإنسان العربي، وفي تفاوت التطور التركيبي بين الإنسان العربي ولغته، إضافة إلى سلسلة أزمات هذه اللغة في المصطلح العلمي، والترجمة والتعريب والنحو والأدوات القاموسية، والتعابير اليومية إلى آخر اللائحة الطويلة.
وفي نظر علماء اللغة، وعلماء التاريخ، أن التبعية الحضارية، التي تعني التخلف الاقتصادي والعلمي، لا تزيد عن كونها فصيلة من التخلف اللغوي، فمتى أصبحت اللغة مستلبة، أو متخلفة، متراجعة في الشارع والمدرسة والإدارة وفي المؤسسات العسكرية والصناعية، وفي مخابر العلم ومراكز التقنية، أصبحت الأمة في تبعية مطلقة، لأمة أو أمم أخرى، وتلك هي بوضوح مشكلتنا مع اللغة / الهوية.
*كاتب صحفي