جميل أن تجتمع أحزاب المعارضة المحترمة على قاعدة المساهمة في تفعيل دورها في الدفع بملف وحدتنا الترابية، ولسنا ممن يصادر حقها في الاجتماع أو ممن يبخس أي جهد من أي جهة يروم تحريك الملف و انتاج مبادرات تستهدف الدفاع عن المشترك الجماعي لأبناء الوطن في حماية وحدتهم، بل إننا كنا دوما في صف المطالبين بمعارضة قوية تستحق جدارة مكاسب اللحظة السياسية التي دسترت وجودها، وأناطت بها واجبات مقابل حقوق مضمونة، جاء التنصيص عليها دستوريا لإخراجها من منطق المناكفة السياسية والمنازعة، إلى منطق البديهيات المعلومة من الدستور بالضرورة، ولكن مقابل واجبات تليق بفروض الوقت وبرونق اللحظة السياسية، في انسجام مع التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي المتطلع الى إنجاز قطيعة مع ماض غير مشرف من إدارة الشأن العام سواء من التدبير أو المعارضة، مما يجعلنا نؤكد أننا نعيش لحظة تأسيسية في بناء سلوك سياسي جديد انطلاقا من مستحقات اللحظة ومكاسب الدستور.
أن تجتمع المعارضة فهذا حقها الأصيل الذي لا غبار عليه، ولكن أن تجتمع بخصوص موضوع الوحدة الترابية لوحدها فهذا اختزال غير مقبول، لأن الاصطفاف الوحيد الذي يليق بملف كهذا لا يمكن أن يكون خارج منطق الوطن الذي يسع الجميع، أما وأن تخرج المبادرة في جبة لون سياسي أو موقع ما، فينطبق عليها تماما المثل المغربي ” من الخيمة خرج مايل”، إن الوعي الحقيقي بمصيرية الموضوع، واستحضار أبعاده يفرض على المجتمعين أن يبعدوا أنانياتهم وأن يعوا أن الصحراء فوق كل الاصطفافات وأوسع من جبة المعارضة، وأرسخ من كل المعتقدات والتمثلات، إن الصحراء “مصير وطن، ووطن يختار مصيره”، وأن لا حق لأحد في أن يحجر واسعا وسعه الوطن، ولا أن يميز بين المغاربة في تعلقهم بذرات رمال الصحراء على أساس اللون الساسي أو “الرائحة الموقعية”.
ثم دعونا نكون أكثر صراحة ولنسم الأمور بمسمياتها، هل نحن في حاجة حقيقية الآن وقبل غد لإطلاق مبادرة حول تفعيل الحكم الذاتي كما أسفر عنه لقاء المعارضة، أم اننا مدعوون قبل هذا إلى تصحيح مجموعة من تشوهات سلوكاتنا السياسية والتي أضرت بملف وحدتنا الترابية، لقد دق تقرير المجلس الاقتصادي والبيئي جرس الإنذار حين كشف عن مجموعة من الاختلالات في تدبير ملف الصحراء، ولعل أهمها ارتباط فشل التنمية بنمو الريع في علاقة جدلية غريبة، فبقدر ما ترتفع أسهم الريع وتتضخم أرصدته بقدر ما تكون هزيمة التنمية مدوية، ومن أكبر وجوه الريع التي لا يمكن للعين أن تخطئها في الصحراء، ارتباط انتاج النخب السياسية بمنطق الريع، ذلك أن نظرة خاطفة للخريطة السياسية بالأقاليم الجنوبية توصلنا إلى خلاصة واضحة مفادها أن هناك تقسيما للنفوذ السياسي على أساس يعكس حجم النفوذ المالي والسطوة القبلية والحضور العائلي، ولا يعكس بالمطلق تفوقا في المقارعة البرامجية للإحزاب، أو قدرة للإقناع السياسي، حتى إننا يمكن أن نجزم أن الاحزاب أضحت رهينة في أيدي موزعي عائدات الريع بمنطق الولاء القبلي أو الرشوة السياسية، حتى أنه أضحت الانتخابات، لحظة نخاسة سياسية وجموح قبلي، وبالتالي فإن نسب المشاركة المرتفعة في أقاليمنا الجنوبية في كل الاستحقاقات السابقة لا تؤشر بتاتا على عافية تنظيمية للاحزاب السياسية ولا تعكس وعيا جماعيا بجدوى المشاركة، وإنما هي مرآة لسطوة أدوات الريع في إنتاج وعي زائف يستفيد من استدامته ويستخدم كل الادوات الممكنة مشروعة كانت أو غير مشروعة لتأكيد هيمنته على السياسة وبشكل مطلق.
إذن فإن البداية الحقيقية لتفعيل مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء وجب أن تنطلق من تحرير السياسة من عقال الريع أولا، فالاحزاب السياسية معتقلة الى إشعار آخر في سجن كبير اسمه الريع، وهي غير جادة في تحرير نفسها مادامت هي ذاتها منتفعة من هذا الوضع ولا يهمها إلا ضمان المقاعد ولو جعلت رقبتها تحت رحمة سكين الريع الذي يذبحها يوميا، وينسف أي أمل في التغيير في تلك الربوع.
*كاتب مغربي/ عن موقع “حزب العدالة والتنمية”