هل يذهب المغرب إلى نهاية المطاف، كأن يطلب سحب بعثة «المينورسو» وتعليق تعاونه مع الأمم المتحدة في قضية الصحراء؟ مبعث السؤال أن في كل مرة يواجه فيها الملف مأزقاً حقيقياً، يطرح السؤال حول جدوى الاستمرار في عملية سياسية لم تنتج حلاً على الأرض أو انفراجاً إقليمياً.
الظاهر أن الوسيط الدولي إلى الصحراء جيمس بيكر قبل نفض يده في التعاطي مع النزاع، كان محقاً في تهديده بأن انسحاب الأمم المتحدة يظل خياراً قائماً، في ضوء تزايد حدة الخلافات بين الأطراف المعنية وعجز الأمم المتحدة عن إحراز تقدم مطلوب. منذ تهديداته تلك، جرت مياه كثيرة تحت الجسر. لكن المأزق كان بالمرصاد في مواجهة كل المساعي المبذولة. ومع أن أي طرح لا يقول ذلك صراحة، فإن الإقرار بهذا العجز، لا يوازيه سوى تعاقب خمسة أمناء عامين في الأمم المتحدة وعدد هائل من الموفدين الدوليين، وما لا يحصى من الأوراق والتقارير التي أعدت على امتداد حوالي أربعة عقود، من دون تلمس معالم الحل النهائي.
باستثناء تحول رمال الصحراء إلى مدن، لم يتغير شيء سياسياً وإقليمياً منذ العام 1975. محافظات صحراوية واقعة تحت نفوذ المغرب، يمارس سكانها حياة عادية، يشاركون في الاستحقاقات الدستورية والانتخابية. تحدث أحيانا رجات ذات خلفيات اجتماعية، لكن المظهر العام لا يشير إلى وجود أزمة، عدا ما يتعلق بالبحث في أشكال تدبير عقلاني بحوكمة جديدة لم يفت العاهل المغربي الملك محمد السادس أن يعرض لها في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، داعيا لإقرار نظام حيوي متقدم بصلاحيات أوسع في اختصاصات التدبير.
على الطرف الآخر، سكان يتحدرون من أصول صحراوية يقيمون في مخيمات تندوف التي تسيطر عليها جبهة «بوليساريو» بدعم ملحوظ لا تخفي الجزائر تبريره بالدفاع عن حق تقرير المصير، وأقصى ما استطاعته الأمم المتحدة أنها تنظم زيارات متبادلة برداء إنساني لإحياء صلة الرحم بين أبناء العمومة والقبيلة، ثم يستمر الوضع على حاله.
بين هذا وذاك، أزمة سياسية تراوح مكانها بين التوتر وضبط النفس، تهيمن على محور العلاقات المغربية – الجزائرية التي تأثرت سلباً بتداعيات ملف الصحراء، وإن تباينت المواقف، ولا يمكن تصور أي انفراج بعيداً من تجاذبات هذا الملف، لأن مشكل سريان إغلاق الحدود وتناقض المواقف إزاء التعاطي مع الاستحقاقات الأمنية، أقل مدعاة للقلق، في مقابل المخاطر التي يحملها استمرار الصراع بين البدين الجارين حول قضية الصحراء.
ما الذي تستطيعه الأمم المتحدة في ظل أوضاع بهذا التعقيد؟ إنها منطقياً وسياسياً وقانونياً ليست طرفاً. والمفترض أن تلتزم أكبر قدر من الحياد، لناحية الإبقاء على زخم المفاوضات العالقة، باعتبارها المخرج الذي لا بديل منه. غير أن الإطار الموضوعي لهذا التوجه تتجاذبه الخلافات. الأطراف كافة تقول بأنها تدعم الحل السياسي الذي أقره مجلس الأمن، وتختلف جذريا حول آلياته، بما في ذلك مرجعية المفاوضات. لكن العاهل المغربي الملك محمد السادس كان أكثر صرامة في وضع لاءات منهجية، تخص حفظ معايير وسياق المفاوضات ورفض أي تعديل في مهمة بعثة «المينورسو» التي تراقب وقف النار و»عدم محاباة الجزائر»، التي يرى أنها الطرف الأساسي الذي لا يمكن من دونه إحراز أي تقدم، أكان على مستوى حل نزاع الصحراء أو تكريس الأمن والاستقرار في منطقة الشمال الإفريقي.
الإشارة واضحة لجهة رفض استئناف المفاوضات في إطار ثنائي بين المغرب و«بوليساريو» على أن تنضم إليهما الجزائر وموريتانيا بعد اكتشاف حظوظ التقدم، وهي لا تكتفي بهذا الجانب بل تركز على عدم إقحام ملف أوضاع حقوق الإنسان، الذي له آليات محلية ودولية غير بعثة «المينورسو». والأهم في غضون ذلك أن الرباط استخلصت موقفاً على أرض الواقع، يتمثل في إقرار التنظيم الجهوي في وقت لاحق. بصيغة أخرى انها ماضية في تنفيذ فك الارتباط بين التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، ورهانات التنمية في المحافظات الصحراوية. فالجهوية المتقدمة لا تفصل في جوهرها عن بنيات الحكم الذاتي. وإذا كان المغرب حسم الموقف بأن لا يتنازل أكثر، فالسؤال هو ماذا عن واقع السكان المقيمين في مخيمات تنيدوف، وأي سبيل لدمجهم في هذا المسار؟
تلك هي العقدة والحل معاً.
*كاتب وصحفي مغربي/”الحياة” اللندنية