محنة غزة ليس لأنها البقية الباقية من النضال الفلسطيني ضد إسرائيل، ولكن المشكل هو ما أحاط بهذه المقاومة من شكوك وفرضيات أنها تقوم بالنيابة عن قوى إقليمية أدت إلى دمارها في الاعتداءات الأخيرة لإسرائيل، والمهم أنه في خضم زوابع داعش والحوثيين وبقية بؤر الصراع السائدة في المنطقة، تبرز غزة كحدث عالمي بعقد مؤتمر في القاهرة لإعمارها..
القضية ليست بمن يساهم بمبالغ رمزية، أو كبيرة، أو الدول التي أقامت الإعمار منذ سنوات طويلة شاركت فيها جمعيات ومؤسسات ودول، وهي التي انتهت إلى أنقاض بفعل الجيش الإسرائيلي، والمؤسف والغريب أن مظاهر الدمار التي تسببت بها إسرائيل لم نجد من يضعها على بند الدولة المعتدية والمطالبة بدفع الخسائر، وهو النموذج السائد لسيادة القوة، حيث كل الدول التي عانت من نهب ثرواتها وتخريب اقتصادها وتدمير بنيتها التحتية تتحمل تبعاتها الدول والشعوب المعتدى عليها، والنموذج الوحيد الذي يجد الرعاية العالمية هو إسرائيل وحدها، والتي لا تزال تحصل وحدها من بين دول العالم على تعويضات من ألمانيا عن جرائم النازية، ومعونات مفتوحة من حلفائها!
بالتأكيد أن دول مجلس التعاون الخليجي ستتحمل العبء الأكبر لتأتي البقية بتسديد بعض الالتزامات وربما على أساس أطعمة وأدوية وملابس أو من فوائض مصانعها من مواد بناء وغيرها، لكن المعنى ليس كيف يخطط مشروع كهذا، ولا من يرعاه ويباشر العمل والإشراف عليه، ولكن ألا تعود عجلة الدمار عندما يكون الحصار الإسرائيلي سبباً مباشراً لانفجار الغضب الفلسطيني ونعرف أن الحلول المطروحة لإيجاد الدولتين دارت في فراغ السياسة الأمريكية غير الجادة، وهي صاحبة الرعاية المباشرة لإسرائيل، وعملياً حتى لو بقيت إسرائيل قوة عسكرية متفوقة فهي في حزام الأزمات من لبنان وفلسطين، وربما لاحقاً من سورية لو سادت الفوضى وأصبح يجاورها نظام داعش أو مثيل له..
فلسطين كدولة معترف بها من قبل العرب وبعض الدول الإسلامية، وأخرى أحدثت هذا التغيير والاعتراف بسبب مشاهد المعاناة التي عاشها ما يقرب من أربعة أجيال مات نسبة منهم تحت أرضهم أو هاجروا للخارج، غير أن هناك بلداً محايداً وأوروبياً شجاعاً يزمع الاعتراف بدولة فلسطين، وهذا الإجراء الذي قامت به حكومة السويد، رغم المعارضة الأمريكية ما قد يدفع بدول مثل بريطانيا تريد التكفير عن ذنبها بخلق هذه الدولة، أن تؤكد سلامة سياستها وهو أمر إن حدث فسيعد سابقة لدولة هي من زرع فتن العالم بتشابك الحدود، واتباع سياسة «فرق تسد» والعقوبة تتابعية من التاريخ حيث لا يعفى جيل سابق خلق أزمة فلسطين ليعلن براءة ما بعده، وهم من يقفون على نفس الخط من جميع حكومات إسرائيل، ويساهمون في حروبها ودعمها اقتصادياً وعسكرياً..
الحضور الفلسطيني، في هذه المرحلة الحرجة إيجابي، وإن كان لن يغير من الوقائع على الأرض، وإسرائيل تتمدد بالضفة في بناء المستعمرات والاستيطان المستمر وتدمر غزة، وتتخلف عن أداء أي التزامات في إعادة إعمار ما دمرته..
وبين الإعمار والاعتراف بدولة فلسطينية على أرضها وبمواثيق دولية موقعة، قد توضع بدايات لحلول ترفضها إسرائيل، لكن الشكوك تعود بأن يكون هناك إرادة دولية تفرض ذلك، لأن من يمسكون بإدارة السياسة العالمية، وخاصة أمريكا، لا ينوون تغيير الأوضاع بل لإبقائها جزءاً من ديمومة الصراع في المنطقة في كل الأحوال والظروف..