كتبت، كما كل عام في مثل هذا الوقت، عن وداع الصيف تحت عنوان «مراسم التحية». رويت أنني ذهبت إلى حقول إسبانية برفقة صديق من مدينة العيون، ولذلك، أشرت إليه «بالصديق الصحراوي». وَرَدَت تعليقات حادّة على البريد: واحد يسأل إن كنت قد صرت من مؤيدي الجمهورية التي أعلنها معمر القذافي. وواحد يقرِّعني لأنني لم أقل الصديق المغربي. وآخران في الاتجاه نفسه.
إذا كان رجل من «العيون»، ماذا أسميه؟ «الصديق العيوني»؟ وأما الذي رآني أؤيد القذافي، فهل فاته ما كتبت هنا خلال 28 عاما؟ والذي يقرِّعني لخيانتي المغرب، ألم يقرأ ما كتبته هنا عن المغرب ومن المغرب وإلى المغرب ومحمد السادس وأصيلة وطنجة وحي الصفارين ومحمد شكري؟
لم يرد تعليق واحد عن وصف الخريف في الحقول. عن بساتين البرتقال والزيتون وشجر اللوز. مغاربة غاضبون أزعجهم وصف رجل من «العيون» باسم الصحراوي. ماذا يفعل هؤلاء بعائلة طنجاوي التي هي من تطوان لا من طنجة؟ ما هو رأيهم في اسم المناضل الكبير علال الفاسي نسبة إلى فاس؟ وقد حاول قارئ آخر أن يعطيني درسا في الفوارق بين المشارقة – مثلي – والمغاربة، خلاصته أن أمثالي شبه أغبياء. أو أسوأ. لكن ماذا أفعل للقارئ الكريم إذا كانت بعض أكرم العائلات في تونس تحمل اسم صرصار (مرشح للرئاسة)، أو العكروت، وكلتاهما، في المشرق البائس، علّة لا اسم كريم.
لقد اعتدنا، أيها الأعزاء، أن ننسب أسماء الناس إلى الجهات والمدن. لكن بعضها يجوز وبعضها لا يجوز، ولست أدري لذلك سببا أو لهذا عجبا. فأنت تقول التونسي، لكنك لا تقول الحماماتي. وتقول الطرابلسي ولا تقول البنغازاوي. وتقول الإسكندراني ولا تقول المدني النصري، نسبة إلى مدينة نصر. وتقول الجداوي ولا يمكن أن تقول الرياضي لأنها سوف تعني شيئا آخر تماما. لذلك، عندما تذهب إلى وداع الصيف في بساتين إسبانيا برفقة مزارع من «العيون» لا تستطيع القول «العيوني». وإذا قلت «صديق مغربي»، كما أصر القراء، فقد يكون من بلاد كثيرة المدن فسيحة الأرجاء، أي ربما من تطوان وربما من أغادير وربما من جبال الأطلس. كل ما حصل هو أنني حاولت، كصحافي، أن أكون دقيقا وأضفي شيئا من الواقعية على عملي. لم أكن أؤيد معمر القذافي ولا أخون المغرب ولا أتعرّض للاتحاد المغاربي. طوّلوا بالكم علينا..
“الشرق الأوسط”